بقلم - سمير عطا الله
كنتُ في افتتاح متحف البحرين الوطني قبل نحو ثلث قرن. ويتساءل المرء في نفسه: ماذا لدى هذه الدولة الصغيرة تبني له متحفاً؟ التاريخ ليس مساحة. ولن أكف عن استخدام تعابير مثل «مدهش» و«مبهر» مهما كانت غير مرغوبة في العمل الصحافي. وقد عدت إلى متحف البحرين أمس من أجل جولة في جناحه الجديد «طريق اللؤلؤ»؛ إحدى اللآلئ الوطنية التي صنعتها مي الخليفة.
لطالما قرأت منذ بداية عملي في الكويت عن هذا الموضوع الأثير عند أهل الخليج: الغوص والنواخذة واللؤلؤ وصيد الرزق من أعماق المياه. لكن الآن ها هي مراحل الطريق الصعب أمامك: الملقط العظمي الحاد الذي يسد به الغواص أنفه بإحكام لكي لا يتسرب إليه الماء ويخنقه. أربع دقائق يطارد الصدفة، وقد غاص خلفها حاملاً بيده حجراً ثقيلاً جداً يساعده على سرعة النزول.
وما إن يلمحها ويسحبها، حتى يؤشر بشد الحبل إلى رفاقه في المركب أن أصعدوني إلى فوق.
في الواجهات الزجاجية تشاهد أدوات وسكاكين فتح المحارة الغالية، ونماذج من أحجام اللؤلؤ، وصور الغطاسين القدامى بصدورهم العارية، وميزان اللؤلؤ وكتاب الأسعار، وفهرس الأنواع، وصندوق النواخذة (القبطان) الخشبي الأحمر اللون.
كان مضيئاً طريق اللؤلؤ من الأفواق إلى الأعماق. لكنه كان الحصاد الوحيد في أرض قاحلة. حتى حجر البناء القاسي كان يأتي من الهند. وما يُعثر عليه هنا لا يبني مبنى مرتفعاً. ومع ذلك، لعبت البحرين دورها كعاصمة قديمة على هذا الساحل الممتد إلى ما بين النهرين لبلاد عُرفت قبل 4 آلاف سنة باسم ديلمون.
يقف هذا المتحف الجميل شاهداً على ماضٍ متنوع. وفيما نحن في جولتنا، مررنا بفرق من تلامذة المدارس يتعرفون بدورهم على ما وراء يفاعهم من تراث. كيف تفاخر بوطنك إذا لم يكن له تاريخ يعتز به. لكن الأكثر أهمية وبراعة أن تحافظ على التاريخ من أجل الخروج إلى المستقبل. تلك هي طريق الحياة الحقيقية. فالإنسان يستدل بالماضي، لكنه لا يتجمد فيه، على عكس شريعة الخلق ومنطق الحياة.
كلما عدت إلى البحرين، أجد في انتظاري عملاً تأريخياً جديداً للبحاثة الدكتور عبد الله المدني؛ أو بالأحرى عملاً موسوعياً. كتابه الآن «النُخب في الخليج العربي» قاموس لكبار أهل المنطقة في سائر حقول الحياة. نحو 700 شخصية لعبت أدواراً مختلفة في بناء عمارة الخليج منذ أوائل القرن الماضي حتى اليوم. إضاءات علمية مدققة على سِيَر كنتُ نعتقد أننا نعرفها ولا نعرفها.
«فالحضرمي الذي أحب الكويت حتى الثمالة» لم نكن ندري أن أحمد السقاف كان حضرمياً. ولم نكن ندري أن عبد العزيز حسين، الوزير الذي أصر على الطقم الإفرنجي طوال عمره، كان جده قرشياً من مكة.
إلى اللقاء...
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك