بقلم - سمير عطا الله
يخضع القضاة والدبلوماسيون ورجال الشرطة ورجال الصحافة في الغرب لدورات دراسية في استخدام التعابير والمصطلحات، التي تضمن عدم مخالفة القانون وعدم الإساءة إلى الناس قبل صدور أو تأكيد أحكام قضائية. حتى القاتل يظلُّ قاتلاً مزعوماً ولو اعترف هو بجريمته، إلى أن يصدر الحكم عليه، لأن الاعتراف قد يكون قهراً أو حتى ادعاءً. وقد تعاطى زعماء الغرب وسياسيوه وصحافيوه مع قضية جمال خاشقجي، خلافاً لكل الأصول المعهودة والمتّبَعة. ولم يحسب القياديون في العواصم الكبرى أي حسابٍ للمصالح أو المشاعر أو التحالفات التي تربطهم بالمملكة منذ عقودٍ وعهود. فالواضح والثابت بين الأمم عبر التاريخ أن الرياض لم تتصرف مرةً؛ في الداخل والخارج، مثل الأنظمة العربية الأخرى. وحتى عتاة الإرهاب حاولت معهم النصح والتسامح، وشكّلت لذلك لجاناً خاصة في أنحاء البلاد. وعقدت اتفاقات أمنية مع معظم الدول المعنية بحيث يواجه الجميع معاً أي أخطار على أمن أي من الشعوب. ومع أن مثل هذه القضايا تخضع دائماً للسرية، فقد خرجت بريطانيا وفرنسا وأميركا إلى العلنية لكي تشكر الرياض على مساعداتها في حماية مواطنيها.
لكنها خرجت هذه المرة أيضاً عن إطار العلاقات الحسنة أو المستويات المقبولة من الخلاف لكي تشكل حملةً عامة، في السياسة والاقتصاد والإعلام، من دون أن يكون هناك أي ثابتٍ قضائي يبرر كل هذه اللغة التي استخدمت في إدانة الدبلوماسية السعودية ورموزها. واضح بالطبع أن أياديَ كثيرة وأموالاً طائلة قفزت فوراً إلى المشهد، بحيث تخلى الإعلام الدولي هو أيضاً عن سلوكياته الملزمة. ورأت قطر في المسألة فرصةً يمكن اختراقها وتكبير تصعيداتها، واستغلت الإثارة لكي تعيد إلى شبكاتها الإعلامية شيئاً مما فقدته في السنوات الأخيرة.
لم تعد المسألة مسألة اختفاء إعلامي سعودي بارز، بل تحوّلت إلى صراع واضح من أجل الخروج من الحصار الطويل. واللافت في الموضوع أنه فيما اندفع الإعلام الغربي في كل الاتجاهات، متجاهلاً جميع أبعاد العلاقة التاريخية مع السعودية، تصرّف الإعلام الروسي في المقابل بكل مسؤولية واحترام للأعراف المُتّبَعة. كذلك فعل الإعلام العربي في صورة عامة ما عدا الصحف القطرية التي جعلت صفحاتها وعناوينها منبراً لكل إشاعات أو كلمة قيلت في هذا الموضوع نقلاً عن الصحف التركية أو عن الصحف الأميركية والبريطانية التي تتخذ من العداء لدونالد ترمب سبباً للهجوم المستمر على حلفائه سواء في الداخل أو في الخارج.
إنها مسألةٌ شائكة بالطبع اختصرها الموقف السعودي بقوله إن الدولة حريصةٌ على أمن كل مواطن في كل مكان. وفي انتظار الوصول إلى القرار القضائي، يُحسَنُ بأهل الإعلام والسياسة في الغرب العودة إلى قوانينهم في مواجهة القضايا المشابهة.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك