بقلم - سمير عطا الله
واحد حرّر وآخر احتل. واحد حارب ضد الظلم والاعتداء وغرور القوة، وواحد انساق خلفها. جورج بوش الأب كان صاحب أدوار تاريخية كثيرة، وتلميذاً حقيقياً للمدرسة القائمة على العدالة الدولية، وصل البيت الأبيض بعد مسيرة طويلة في العمل السياسي، سفيراً في الصين وفي الأمم المتحدة، ونائباً للرئيس ومديراً لـ«سي آي إيه».
عندما شارك في تحرير الكويت، مساهماً بالجزء الأكبر في القوة الدولية المشتركة، حرص على توازن العمل العسكري مع العمل السياسي. وبكل مهارة، أثبت أنه قادم لتحرير الكويت من ظلم كبير وليس لاحتلال العراق. أي من أجل إعادة السوية والاستقرار إلى النظام العربي، وليس من أجل استبدال زعزعة حمقاء بزلزلة لا نهاية لها.
بعد تحرير الكويت من الأيام الغاصبة، أقدم بعض الكويتيين على تسمية مواليدهم الذكور «جورج بوش». صحيح أنه اسم غربي هجين، لكنها الطريقة التي عبَّر بها البسطاء عن فرحهم برفع ظلم «الشقيق» الأكبر وشركائه من العرب، الذين لم يترددوا في دعم سياسة الاحتلال وقلب البلدان وتشريد الشعوب.
لم يكن جورج بوش وحده بطل تحرير الكويت من أسوأ وأخزى الاحتلالات. فالكويتيون من الأمير إلى الصغير، أعطوا المحتل وشركاءه درساً في الرفعة والوطنية. ولم يستطع صدام حسين أن يعثر بينهم على وضيع واحد. ويوم استعادوا الكويت، استحقوها فرداً فرداً وشبراً شبراً.
في حين جاء العالم بقوة قوامها 700 ألف مقاتل، انقسم العرب حول شقيق قاتل وشقيق مقتول. وكان الصلف مفزعاً. وأثبت الامتحان والمحنة موقف السعودية ومصر وباقي الفريق الذي لا يقر بالغزو والاحتلال والاعتداء على سيادة وكرامة وأرزاق الآخرين.
هذا ما فعله العرب حيال أنفسهم: أن تتذكر الكويت جورج بوش الأب كبطل جاء من آخر الأرض يساعدها على التحرر من أظافر الجار الناهشة في جسدها. منذ تلك الطاحنة اللاأخلاقية، انقلبت معاني الجوار والأخوة عند العرب. وفتح صدام حسين باب تدمير العراق بلا نهاية. في حين أغلقت الكويت باب الاحتلال خلفه، وعادت تستكمل بناء دولة نموذجية، بينما لا يزال العراق يبحث عن حكومة وعن كهرباء وماء في البصرة.
دخل جورج بوش الأب تاريخنا من باب لا يُنسى. ولم تتوقف مودته للعرب في الكويت، بل أصبح أيضاً أول رئيس أميركي يجمّد قروض المستعمرات الإسرائيلية. ومن سوء حظنا أنه لم يجدد ولايته، فيما الذي جدد كان جورج بوش الابن. وقد مارس رداءة الغزو والاحتلال. وأساء تدبير الانتقال من صدام إلى حكم طبيعي. وفي كلمة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في تأبين الرئيس الأب، أول مشاركة عربية في غياب رئيس أميركي كان حليفاً.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك