بقلم - سمير عطا الله
يستخدم الناس على مدى القرون كلمات وتعابير لا تعرف معانيها بدقة. وقد قرأنا يافعين كتاب عالم المخيلة للفرنسي الشهير جول فيرن: «20 ألف فرسخ تحت البحر»، من دون أن نعرف قياس الفرسخ بالتحديد. ولم يكن ذلك ضرورياً. فعندما قرأنا الكتاب وشاهدنا الفيلم، كانت الغواصة التي تخيلها جول فيرن قد أصبحت قطعة من المتحف بالنسبة إلى الغواصة المنفذة. وعندما شاهدنا في الستينات فيلم «حول العالم في ثمانين يوماً» عن رحلة بالمنطاد، كان الإنسان قد بدأ يدور حول الأرض، ويسافر من باريس إلى نيويورك في ثلاث ساعات، بأسرع من الصوت.
لكن كلمة فرسخ ظلت تظهر أمامنا في النصوص القديمة. وإلى اليوم نستخدم كلمة فلس في بلدان كثيرة، ولم أكن أدري أنها عبرية إلا منذ فترة، وبمحض الصدفة.
بالتأكيد قرأت مرات كثيرة «المسالك والممالك» لابن خرداذبة. وما زلت أعود إليه في بعض المراجعات برغم طباعته السيئة التي لا تزال الطبعة الأولى «في مدينة ليون المحروسة، مطبعة بريل، سنة 1889 المسيحية». ولم أنتبه من قبل أنني سوف أعثر على شرح الفراسخ عند هذا الجغرافي الراسخ. وفوقها كل ما تحتاج من قياسات، من الذراع (لا وجود للمتر) إلى الإصبع.
يطمئننا أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله ابن خرداذبة، بالدرجة الأولى، أن الأرض «مدورة كتدوير الكرة، موضوعة في جوف الفلك كالمُحة في جوف البيضة». ويكمل: «واستدارة الأرض عند خط الاستواء 360 درجة، والدرجة خمسة وعشرين (كذا في النص) فرسخاً، والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، والذراع أربع وعشرون إصبعاً، والإصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض، فيكون ذلك تسعة آلاف فرسخ».
فيا عزيزنا أبا القاسم، شكراً. ولقد نوَّرت إذ شرحت، وأوضحت إذ فسَّرت، لكنك عقَّدت إذ استطردت. فكيف لواحد مثلي أن يتمكن من رصف 6 حبات شعير، بطناً إلى بطن، ومن ذا يستطيع أن يميز في الشعير البطن من الظهر، أو الأعلى من الأسفل؟
ويُفهم من كتابك الثمين أن الحنطة كانت موجودة على أيامك، فلماذا حبات شعير لا حنطة؟ هل الواحدة أسمن، أو أقل سمنة، من الأخرى؟ ويا مولانا، العالم يتغير، أما الأرض (بتتكلم عربي) فما تزال مدورة مثل الكرة كما تفضلت وأسبقت. لكن اليوم لا فراسخ ولا شعير. أي هاتف (لم يتغير اسمه منذ أن هتف المستر ألكسندر بل، عبر الأطلسي، هالو، هل تسمعني) جوال يبلغك كم فشخة فشخت وكم فرسخاً فرسخت
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك