بقلم - سمير عطا الله
يزداد المشهد السياسي في الجزائر سوريالية كل يوم. والضياع السياسي المتفاقم يهدد المشهد الوطني. ويحدث للرئيس بوتفليقة ما حدث من نهايات مأساوية للحبيب بورقيبة من قبل، كما تذكرت كاتبتنا صفية مصطفى أمين في «المصري اليوم». رجل ذو محاسن وطنية مشهودة تؤهله لطلب التجديد، لكن أي واحدة منها لا تساعد في تعديل ضغط الدم، أو إطالة فترة الوعي.
ابتدع رؤساء العالم الثالث لأنفسهم حق الحكم «مدى الحياة»، من دون أن يحددوا مفهوم الحكم والحياة. وبالنسبة إليّ كان الحبيب بورقيبة من أشجع وأنقى المناضلين العرب، ومن أنقى وأعدل الرؤساء، ومن أصدق وأخلص الحكام. لكن كل هذه الميزات، أو البديهيات، لا تساعد في فتح شريان واحد. ومن الممكن إصدار قرار رئاسي في كل شيء، إلا في الطاقة البشرية على مزاولة المسؤولية، من أصغرها إلى أهمها.
لا نعرف مَن هو المسؤول - أو أكثر - الحقيقي عن هذا العرض المأساوي أمام العالم: الرئيس على كرسي متحرك منذ سنوات يصدر قرارات العزل، أو تصدر باسمه، كل يوم. والرئيس غير القادر على الحركة أو النطق أو استقبال وزرائه، يقرر - أو يقررون - أن يطلب من الجزائريين ولاية خامسة، وينتهي به الأمر بأن يطلب منهم استكمال الشهر الباقي من ولايته الرابعة. مَن هو - أو هم - الذي رمى الرجل في هذا الفصل الأخير الذي لا مثيل له في تراجيديات اليونان وخواتمهم: يوماً الجيش هو الذي يصر، ويوماً هو الذي ينفضّ من حوله، ويتركه وحيداً على كرسيه فوق الحافة المفزعة؛ أي هبّة ريح تدفعه إلى الأمام قاتلة، وأي جمود مرعب.
هل يستحق عبد العزيز بوتفليقة هذا النوع من الخواتم: الملايين يطالبونه بالذهاب، وحزبه وجيشه يطالبون بالعزل؟ في أواخر أيامه لم تعد أوقات اليقظة عند بورقيبة تتجاوز الساعات الثلاث في اليوم. وعندما يفيق، تفيق معه نباهته وسخريته ومعرفته بالناس. لكن ثلاث ساعات لا تكاد تكفي لتناول الطعام ومشاورة الطبيب. وكانت «الموند» تروي، يومها، أن معظم لذعاته على خلفه، زين العابدين بن علي. وبعدما «أنقذ» بن علي تونس من أبديات رجل الاستقلال، قرّر أن الأبد يليق به وحده. ولم يقبل معمر القذافي فكرة أن يرثه رجل إصلاحي واعٍ ومثقف يدعى سيف الإسلام، ولو أنه ابنه. وحده يملك الأبد مدى الحياة، فكيف يمكن لبشري أن يخلف صاحب النظرية العالمية الثالثة؟!
نهايات محزنة جداً كان في الإمكان تجنبها: القذافي في مقتلة همجية دون محاكمة في الصحراء التي ادعى أنه «رسولها». وبورقيبة معزولاً كطالب حكم وليس مرفوعاً «كمجاهد أكبر». وحسني مبارك على محفّة في قاعة المحكمة. وعبد العزيز بوتفليقة مكبلاً بضعف جسده فوق كرسي حزين. حتى أقرب الرفاق يتنكرون لصورة الوداع إلى جانبه. لا تسلّم ولا تسليم في رئاسات الجزائر. عادة استعمارية قديمة.
أرسل تعليقك