بقلم - سمير عطا الله
لم تعد السياسة تسلية أحد في لبنان. إنّها تعضّ الناس اليوم وهي تثقل على الاقتصاد بكلّ فشلها وفسادها وتبلّد أهلها. كلّ إنسان أعرفه يتألّم من الضرر الذي ألحقه به أهل السلطة. البقّال الذي نشتري منه والسوبرماركت والحلّاق الذي أذهب إليه منذ ثلاثين عاماً. جميعهم يشكون بخجل. والصيدلية التي نعرفها أيضاً منذ ثلاثة عقود، يسألنا أصحابها في حياء، إن كان بإمكاننا التسديد بالدولار. وبالسعر الرسمي. يروي الدكتور عمرو موسى في مذكّراته أنّ أكبر فرحة شاهدها على وجه الرئيس حسني مبارك، كانت عندما قرّر الرئيس جورج بوش الأب، إلغاء ديون مصر. قال يومها لوزير خارجيّته، لقد سقطت عن أكتاف المصريين أحمال قاتلة.
حمّل السياسيون في لبنان مواطنيهم عشرات المليارات ما بين السرقة والهدر والنصب والمقامرة الغبيّة بمستقبل الأجيال. والآن خسر الجندي والطبيب والمدرّس والعامل والطبّاخ 30 في المائة على الأقل من قيمة دخله. والألوف خسروا أعمالهم برمّتها. حتى العمّال الأجانب، فتكت بهم الأزمة وهم يسافرون لأنّهم غير قادرين على تحمّل القبض بعملة عائمة، وأرباب أعمالهم غير قادرين على أن يدفعوا لهم بالدولار الذي جاءوا من أجله من آخر الأرض. لقد خدع السياسيون والمسؤولون شعبهم يوماً بعد يوم. ترفع سيّدة بين المتظاهرين لافتة تختصر حالة البلد برمّته: «فقّرتونا. سرقتونا. خدعتونا. قرّفتونا».
قال الرئيس مبارك وهو يبتهج بإلغاء الديون، إنّ مصر اضطرّت إلى الاقتراض، أيام عبد الناصر والسادات، وسوف يسعى إلى تحريرها من القيود ما استطاع. ولذلك غمر مصر ودفع بها إلى الداخل وترك – كما يقول عمرو موسى – لمعمّر القذّافي وصدّام حسين أن يصرفوا مال بلدانهم في أحلام الزعامة. وعندما رأى القذّافي يطير بأحلامه إلى أفريقيا، تركه يمضي لكي يصبح ملك ملوكها، مع تاج وصولجان. هو كان يرى أنّ حماية مصر في داخلها، وأهمّ حماية هي التحرير من الدَّيْن الخارجي.
أهلك السياسيون لبنان بالنظرة القصيرة واليد الطويلة. وأدّت السياسة النقدية إلى تعثّر أهمّ ركن في الاقتصاد الوطني، وهو الصناعة المصرفية. والجميع يحاولون التبرّؤ الآن من مسؤولية الخراب والذلّ الذي ألحق بالناس. فالمودع في مصارف لبنان لم يعد قادراً على التصرّف بإيداعاته. والمسؤولون الذين كانوا يطمئنونه قبل أشهر إلى أنّ جنى حياته مؤمّن، ما زالوا يعلكون الكلام، كما يقولون في لبنان، أو «يعكّونه عكّاً»، كما يقول المصريون عن الذي يكذب وخرّب ويحاول التهرّب عند ساعة الحساب.
طبعاً الميسورون والأثرياء يتضايقون، لكنّهم يتدبّرون أمورهم. لكنّ أكثريّة الناس حزينة مما أوصِلت إليه، وخائفة مما هو أسوأ.
أرسل تعليقك