بقلم - عماد الدين حسين
فى عام ٢٠٠٦ كان الدولار الأمريكى يساوى جنيهين سودانيين، اليوم سعره قفز ليصل إلى نحو ٧٥ جنيها.
هذا أحد أهم المؤشرات المهمة على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها السودان هذه الأيام، ودفعت جموعا كبيرة من المواطنين للنزول إلى الشارع احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
من مظاهر هذه الأوضاع، أنه لا يحق لأى مواطن لديه أرصدة بالعملة الصعبة أن يسحب أكثر من عشرة دولارات لكى يحولها إلى العملة المحلية.
قبل أيام، وعقب اندلاع الاحتجاجات، كان هناك وفد شبابى سودانى يزور القاهرة. بعض أعضاء الوفد قابلوا زميلا صحفيا، وكان طبيعيا أن يدور النقاش بشأن ما يدور هناك.
الزميل الصحفى ناقم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى مصر، ويراها الأسوأ على الإطلاق، بعد هذه الجلسة تغيرت وجهة نظره إلى حد ما، حينما أخبره الزملاء أنهم يحلمون بأن يصلوا إلى الحالة المصرية.
هل حالتنا مثالية؟! بالطبع لا، بل لدينا برنامج إصلاح اقتصادى صعب جدا، والرئيس عبدالفتاح السيسى وصفه قبل أيام بأنه «كان قاسيا جدا، لكن بديله كان الضياع».
المقصود من المثال، أن الأوضاع فى السودان وصلت إلى حد لا يطاق لغالبية فئات المجتمع.
مع نقص العملات الأجنبية، وانخفاض الصادرات، وتراجع حصة السودان من البترول الذى ذهب معظمه إلى الجنوب المستقل، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، والانسداد السياسى الشامل، وأسباب أخرى كثيرة، وصل الاقتصاد السودانى إلى مفترق طرق، تزامنا مع أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة منذ عشرات السنين، وحروب أهلية ومذهبية فى المنطقة، أدت إلى تأثر الاقتصادات الخليجية الداعمة للسودان ولغيره، بسبب استنزاف عائداتها البترولية فى هذه الحروب أو الصراعات، خصوصا فى اليمن.
المظاهر التى حكاها السودانيون، متعددة، وطالت غالبية الفئات تقريبا، وإن كان أثرها الأصعب على الطبقة الوسطى، وبالتالى كان منطقيا، أن تكون هى الوقود الأساسى للاحتجاجات خصوصا تجمعات المهنيين.
الحكومة تراجعت جزئيا عن زيادات أسعار الوقود والسلع الأساسية التى كانت السبب فى اندلاع التظاهرات فى ١٩ ديسمبر الماضى، لكن الملاحظة أن حدة الاحتجاجات لم تهدأ، لأنها أزمة حقيقية، بل ربما تكون الأصعب والأسوأ لعمر البشير منذ وصوله إلى السلطة فى انقلاب شهير وقع فى ٣٠ يونيو ١٩٨٩. أى أنه يكمل الآن ثلاثين عاما فى السلطة.
جربت الحكومة السودانية فى الفترات الأخيرة، أن تناور كثيرا إقليميا، لضمان الحصول على بعض المنح والمساعدات، أو حتى القروض الميسرة. لكن من سوء حظها أن الأزمة هذه المرة عاتية، والمانحون صاروا يدققون كثيرا، ثم إن الأموال الخليجية لم تعد يسيرة كما كانت سابقا.
تحدث البشير قبل أيام عن مساعدات إماراتية لتمويل شحنات الطاقة. لكنه بعدها بأيام زار قطر، الخصم اللدود للإمارات والسعودية ومصر، وقيل إن الزيارة لم تحقق أهدافها المرجوة، وبعدها تحدثت تقارير عن زيارة وفد سعودى للرياض، وجولة للبشير فى الكويت وغيرها وسبق كل ذلك زيارة البشير لسوريا.
مرة أخرى المشكلة ليست صغيرة، وتتعلق بسياسات متراكمة، قادت إلى هذه النتائج الصعبة، التى تحتاج معجزة للخروج منها، وكلنا يعلم أن المعجزات لم تعد موجودة خصوصا فى منطقتنا المنكوبة بالجهل والتخلف والفقر والاستبداد، يضاف إليها ظرف اقتصادى عالمى شديد السوء. أزمة السودان الشقيق، موجودة بصورة ممماثلة فى بلدان كثيرة فى إفريقيا والمنطقة العربية، لكنها فى السودان أسوأ هذه المرة.
كثيرون ظنوا أن السودان أفلت من كمين أو مصيدة «الربيع العربى»، بل إن هناك من يتهم الحكومة السودانية، بأنها شجعت أو استفادت من هذا الربيع، وبعض أركانها أو داعميها أو أنصارها كانوا فى قلب هذا الربيع. الأمر اختلف الآن. وسمعنا الرئيس عمر البشير ظهر يوم الأحد الماضى عقب اجتماعه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى بالقاهرة، يشكو من محاولة استنساخ الربيع العربى فى السودان. حقا ما أصعب مكر التاريخ!.
كل ما نأمله أن تستقر الأوضاع فى السودان الشقيق، ليصبح وطنا ديمقراطيا مدنيا متقدما يتسع لكل أبنائه.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك