سألت الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ظهر يوم الخميس الماضى، سؤالا محددا ما الذى سيدفع المواطنين للتبرع لـ«صندوق وقف تطوير التعليم؟!».
الإجابة كانت بكلمة واحدة هى أن ذلك سوف يتم فى اللحظة التى سوف يثق فيها المواطنون فى جدوى ما تفعله الحكومة.
هذا السؤال سبقه سؤال آخر، وهو: هل تأملون فى الحصول على أموال لهذا الصندوق من تلك التى يدفعها أولياء الأمور للدروس الخصوصية، ويقدرها البعض ما بين ٣٠ إلى ٤٠ مليار جنيه سنويا؟.
أتفق تماما مع الوزيرين أنه يستحيل الحصول على موافقة المجتمع على أى مشروع ثم تمويله، من دون توافر عنصر الثقة. وغيابها سبب رئيسى فى الكثير من المشكلات التى نعيشها منذ عقود طويلة.
قبل الجلوس مع الوزيرين بدقائق، كنت قد استمعت للمهندس هانى محمود وزير الاتصالات الاسبق ورئيس مؤسسة تروس مصر، يتحدث أيضا عن عامل الثقة خلال جلسة «آفاق التنمية المستدامة»، فى إطار فاعليات «الأسبوع العربى للتنمية المستدامة»، وشارك فيها الدكتور أحمد كمالى، نائب وزيرة التخطيط.
هانى محمود قال: «لن تتقدم دولة، ولن نستطيع تحقيق تنمية مستدامة ناجحة دون التعاون بين (المثلث الذهبى للتنمية) أى الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، وأتمنى أن تكون المرحلة الحالية هى بداية لعودة الثقة بين مؤسسات الدولة المختلفة».
من الذى يتحمل مسئولية غياب الثقة؟
قولا واحدا هى الحكومة. لا أقصد هذه الحكومة فقط، بل غالبية الحكومات، التى حكمت مصر فى العقود والحقب الأخيرة.
مجمل ممارسات هذه الحكومات هى التى أصابت غالبية المواطنين بفقدان الثقة، ولم يعد يصدق حتى الإنجازات الحقيقية للحكومة بين وقت وآخر.
فى تقدير الدكتور طارق شوقى فإنه عندما تتوافر الثقة ويكتشف المواطنون نجاح تطوير التعليم، وكذلك البرامج التى سيمولها هذا الصندوق الخيرى، فسوف يبدأون فى التوقف عن إرسال أولادهم للسناتر والدروس الخصوصية.
الوزير يقول إنه سيتم إطلاق حملة دعائية فور الانتهاء من أوراق تأسيس الصندوق لدعوة الأفراد للاكتتاب، وكذلك حملة ترويجية بين المصريين فى الخارج للتبرع للصندوق، إضافة إلى أصحاب البنوك وأصحاب المدارس الخاصة والدولية.
أحد الوزارء قال لى: لماذا تحملون الحكومة مسئولية كل الأخطاء؟ صحيح أن حكومات كثيرة أخطأت، لكن عليكم تذكر أن هناك ثقافة عامة مسئولة عن هذا الواقع المرير. هذه الثقافة تجعل كل المواطنين بما فيهم الأغنياء يتصورون أن أى حاجة تأتى من الحكومة، فلابد أن تكون مجانية وببلاش. ربما يكون المواطنون معذورون، لأنهم تعودوا على ذلك، وربما تكون الحكومة السابقة أخطأت لأنها شجعت هذه الثقافة، لكن حان الوقت لتغيير هذه الثقافة، لأننا دفعنا ثمنا غاليا لها تمثل فى الحال الصعب، الذى وصلنا إليه الآن، ونجاهد فى تغييره.
الوزير يقول: «هناك حق للمواطن، وهناك واجب عليه، ومن دون إدراك ذلك، ستكون هناك مشكلة ستجعلنا ندور فى حلقة مفرغة».
نعود مرة أخرى إلى فكرة «استعادة الثقة» وهو أمر صحيح تماما، ولن يتم إلا حينما يدرك المواطنون أن الحكومة لا تتعامل معهم باعتبارهم رعايا أو مجموعة من العبيد عليهم أن ينفذوا كل ما يطلبه السيد الذى هو الحكومة.
فى رأيى تبذل الحكومة جهودا ممتازة فى العديد من القطاعات، خصوصا الكهرباء والطاقة والنقل والصحة، وهناك نتائج ممتازة نراها على الأرض، لكن غياب الثقة يهدد العديد من هذه الإنجازات وغيرها.
الثقة تحتاج إلى بناء مستمر وعمل دءوب، وأن تصل رسالة واضحة لا لبس فيها إلى المواطنين، أن الحكومة حريصة فعلا على مصالحهم، وأنها حتى حينما تتخذ قرارات صعبة وغير شعبية، مثل رفع الأسعار فإنه لا يوجد عندها بديل آخر، وأنها حينما تطالب المواطنين بالتقشف فإنها تقشفت قبلهم.
محاربة الفساد بلا هوادة والضرب على أيدى الفاسدين أحد أوجه استعادة الثقة، وتطبيق سيادة القانون على الجميع، واختيار أهل الخبرة وليس أهل الثقة، عامل آخر مهم فى استعادة هذه الثقة شبه المفقودة.
تستطيع الحكومة فى ظرف زمنى قليل أن تستعيد ثقة المواطنين، إذا قامت فعلا بتطبيق الإجراءات والآليات السابقة على أرض الواقع أو بدأت فى بعضها على الاقل. المواطنون ليس بينهم وبين الحكومة أى عداوة، هم يريدون أن يلمسوا الصدق فيها ويروا ذلك بأعينهم على أرض الواقع.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك