بقلم - عماد الدين حسين
هل هى صدفة أن تثار قضية حمو بيكا، فى نفس الفترة التى انعقد فيها مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية رقم ٢٧ بالقاهرة؟
رب صدفة خير من ألف مليون توضيح، فهذا المهرجان كان خير طمأنة لكل الغيورين على الفن والموسيقى والطرب المصرى والعربى الأصيل، بأنه ما يزال قويا رغم كل الظواهر، التى يراها البعض هابطة ومنحطة ومتدنية.
وقبل أن نسترسل ولمن لا يعرف «حمو بيكا» فهو «مطرب مهرجانات» وأغنيته الأخيرة «رب الكون ميزنا بميزة» سجلت عشرة ملايين مشاهدة فى حوالى شهر واحد على موقع ساوند كلاود.
هو شخص لا يعرف القراءة والكتابة، وصار حديث السوشيال ميديا بعد أن أوقفت الأجهزة المختصة حفلاته لعدم حصوله على التراخيص اللازمة وعدم قيده فى نقابة المهن الموسيقية.
الكثير من الذين تابعوا هذه القضية اعتبروها دليلا على تدهور الفن.
تقديرى المتواضع أن هذا حكم جائر ومتسرع وعاطفى وانفعالى، والدليل العملى على ذلك هو وقائع وفعاليات مهرجان الموسيقى السابع والعشرين فى الفترة من ١ إلى ١٢ نوفمبر الجارى فى المسرح الكبير بدار الأوبرا ومعهد الموسيقى العربية ومسرح الجمهورية ودار الأوبرا بالإسكندرية ودار أوبرا دمنهور والمركز الثقافى بطنطا.
صحيح أن حمو بيكا نجح فى تسجيل عشرة ملايين مشاهدة، لكن الصحيح أيضا أن ثلاثة ملايين شخص تمكنوا من الدخول على موقع حجز حفلات مهرجان الموسيقى للحصول على التذاكر لكن الذين نجحوا منهم كان ٢٦ ألفا فقط. فى هذا المهرجان شارك ٧٤ مطربا من ٨ دول فى ٤٣ حفلا بإجمالى عدد ساعات غناء ١٢٩ ساعة، بقيادة ١٨ مايسترو و١٣ عازفا.
من حسن حظى أننى حضرت بعض هذه الحفلات فى المسرح الكبير بدار الأوبرا، خصوصا حفلتى الافتتاح والختام وحفل صابر الرباعى.
الذين غنوا وعزفوا فى المهرجان صفوة المطربين العرب مثل محمد الحلو ولطيفة ومدحت صالح وعاصى الحلانى ورامى عياش وعمر خيرت وعلى الحجار وهانى شاكر ووائل جسار ونوال وصابر الرباعى وماجدة الرومى.
رأيت فى حفل الافتتاح المايسترو الكبير سليم سحاب يصول ويجول بعد أن عاد مرة أخرى وكان معه رضا رجب وحسن شرارة وماجدة سرور وممدوح الجبالى وفى اليوم التالى رأينا المايسترو مصطفى حلمى ثم محمد قطب ومصطفى محمود واندريا الحاج ومحمد الموجى وعماد الشارونى وإبراهيم الموجى وعادل عياش وناير ناجى ومصطفى حلمى وهانى فرحات وفى اليوم الأخير تألق المايسترو نادر عباسى فى حفل النجمة الكبيرة ماجدة الرومى.
هؤلاء هم النجوم، لكن وحتى لا نجلد أنفسنا طوال الوقت بأن ذوقنا قد انحط، ومستوانا انحدر فقد رأيت بعينى جمهورا راقيا متذوقا محبا للفن الرفيع. قبل بداية المهرجان عرفت أن كثيرين يبحثون عن أى تذكرة فى أى مكان بالمسرح وبأى سعر، لدرجة أن المسئولين بالأوبرا عجزوا عن إيجاد تذاكر لبعض كبار المسئولين. حيث تم بيع كل التذاكر، رغم أن سعر بعضها تجاوز الألف جنيه.
المهرجان لم يكن فقط أغانى كبار النجوم، بل كانت هناك جوائز حملت اسم رتيبة الحفنى، ووزعتها وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم للشباب والأطفال، والفائزون من الشباب والأطفال هم أمل المستقبل وضمان استمرار الريادة المصرية لسنوات طويلة.
كان هناك أيضا بجانب الأغانى والموسيقى ٤٦ بحثا من ١٦ دولة عربية.
المهرجان الذى استمر ١٢ يوما يستحق أن نوجه التحية للقائمين عليه وفى مقدمتهم إيناس عبدالدايم ومجدى صابر وجيهان مرسى.
استمعنا إلى طرب أصيل ليس فقط من المغنيين بل أيضا من فرق الموسيقى العربية للتراث وفرق كنوز للموسيقى وكرومانكس وشموع وسداس شرارة وأنغام الشرق وسواريه.
السطور السابقة بأكملها ليست فقط تحية للأوبرا وللقائمين عليها، ولكنها تذكرة لمدمنى جلد الذات واللاطمين على الخدود بأن الفن والطرب الأصيل ما يزال موجودا، كما أن من يطلبونه موجودون وبالملايين. وبالمناسبة هناك ملايين من الشباب الصغير أيضا يستمعون إلى الموسيقى والغناء الأجنبى الراقى. وبالتالى فالصورة ليست قاتمة تماما. مثلما هناك الملايين الذين يستمعون لشطة وحمو بيكا، فهناك مثلهم يستمعون لكاظم الساهر ومدحت صالح والرباعى والرومى وحسين الجسمى والرحبانية وقبل هؤلاء وبعدهم السيدة العظيمة فيروز.
لا يعنى كلامى السابق التقليل من قيمة من يستمعون لما يسمى بأغانى المهرجانات، لكن علينا أن نفهم الظاهرة ونتعامل معها بهدوء وعقل دون تشنج وانفعال.
تحية كبيرة لمهرجان الموسيقى العربية وجميع القائمين عليه.
نقلا عن الشروق
أرسل تعليقك