الفضيحة التى حدثت قبل أيام تحت عنوان «مهرجان الإسماعيلية للمبدعات العرب»، يمكن أن نستغلها كفرصة ثمينة، لوقف تجارة وبيزنس التكريمات الوهمية المنتشرة فى مصر منذ سنوات عديدة، وتتوسع بصورة سرطانية.
هذا المهرجان ليس الوحيد، سبقه مئات المهرجانات المماثلة وربما آلاف. الجديد، أنه تم اكتشافه وفضحه لمجرد أن بعض المقدمات أو المشاركات أو المنظمات كن يلبسن ملابس يراها البعض خارجة أو غير محتشمة.
ومنطق هؤلاء غريب، لأنه بهذا القياس، لو أن الفتيات المشاركات كن منتقبات أو محجبات أو حتى محتشمات، فلن تكون هناك مشكلة. كما أن البعض اعترض، لأن البنات كن «تخينات»، وكأن المشكلة هى فى «مقياس الوسط أو الخصر» وليس النصب والاحتيال وبيع وتجارة الوهم!
أقر واعترف بأننى أحد الذين وقعوا ضحية لبعض هؤلاء النصابين فى السنوات الماضية. لكن عندما اكتشفت الخدعة توقفت فورا، ونصحت كل معارفى وأصدقائى بذلك.
اللعبة ببساطة كانت تبدأ باتصال تليفونى من جهة تقول لك: «نحن مؤسسة كذا أو كذا، وقد وافق مجلس الإدارة على تكريمك باعتبارك من رواد الإعلام أو الفن أو السياسة أو أى مجال!!!».
وقوعى فى الفخ، كان بسبب أن بعض المتصلين كانوا معروفين لى، وبعضهم شخصيات عامة. الأمر بالنسبة لهم لا يكلف شيئا، مجرد حجز قاعة فى فندق ثم مجموعة من الدروع وشهادات التقدير قد لا يكلف سعر الواحدة منها خمسين أو مائة جنيه.
أحد هؤلاء اتصل بى ذات مرة ليشكو أننى لم أنشر خبر تكريم مؤسسته لى فى «الشروق» فقلت له: «إننى لا أفضل ذلك، حتى لا يبدو الأمر وكأننى أستغل الصحيفة لتلميع نفسى». يومها أدركت أن الرجل كان يريد تلميع نفسه هو. بعدها بدأت أكون شديد الحذر، ولم أقبل تكريما إلا من أماكن معروفة ومحترمة مثل الجامعات مثلا، او المؤسسات التى لا تحتاج دعاية أو اعلانا.
الهدف من هذه التكريمات كان ببساطة مد جسور مصالح بين أصحابها والصحف ووسائل الإعلام والفنانين ونجوم الكرة والمؤسسات العامة، ليحصلوا على ما هو اثمن.
صاحب السبوبة لن يتكلف بضعة آلاف من الجنيهات، فى حين أنه سيضمن نشر أخباره وصوره فى وسائل الاعلام التقليدية، ووسائل التواصل الاجتماعى. هذا الامر سيكلفه الملايين لو نشره على صورة إعلانات. إضافة إلى أنها وسيلة مضمونة للشهرة والأهم للتجارة واستغلال النفوذ عبر هذه الطريقة السهلة جدا.
أحد هؤلاء الذين احترفوا تنظيم مهرجانات التكريم تقدم لخطبة فنانة عربية قبل نحو عام، وكان جواز سفره هو الصور المشتركة مع نجوم المجتمع خلال تكريمه.
وفى اللحظة الأخيرة، تم اكتشاف أنه متهم بانتحال صفة مستشار، وعليه أحكام قضائية!
كان يفترض أن تكون هناك وقفة جادة مع أمثال هؤلاء، عقب فضيحة ما سمى بـ«المهرجان الأفروآسيوى» فى شرم الشيخ فى شهر سبتمبر من العام الماضى، حينما تكشف الأمر عن تجارة وبزنسة، وتم الإساءة لفنانين كبار لم يجدوا حتى حجز الفندق أو تذكرة العودة للقاهرة!
فى «نصباية» الإسماعيلية الأخيرة، اكتشفنا أنه تم السطو على أسماء صحف قومية باعتبارها راعية وشريكة فى المهرجان، وهذه الصحف هددت برفع دعاوى قضائية على المنظمين، ثم سمعنا إدانات وشجب وانتقادات من العديد من الجهات الرسمية والشعبية.
تجار الوهم كثيرون ويملأون الساحة هذ الأيام، والحل لا يكون فقط بالملاحقة الأمنية أو القضائية أو الفضح والتجريس، رغم أهمية كل ذلك، بل ضرورة وجود مناخ وبيئة ومجتمع مدنى يقظ يكشف أمثال هؤلاء. وبالمناسبة فالأكثر خطورة من تجار المهرجانات الفنية والصحفية، هم أولئك الذين يتاجرون الآن فى بيزنس الحملات والجمعيات والمبادرات العامة، وهؤلاء يفترض أن تبدأ الدولة وأجهزتها فى الانتباه لهم، بعد أن صاروا يشكلون خطورة حقيقية.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك