فكرة تأسيس صندوق وقف جديد باسم «الاستثمار ودعم التعليم» فكرة جيدة ونبيلة وممتازة، وتستحق الدعم والتشجيع، لكن السؤال المهم والأزلى هو: كيف يمكن تحويل هذه الفكرة إلى واقع ملموس ومستمر، وألا تتبخر كما تبخر غيرها من قبل؟!
هذا السؤال وجهته إلى الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط والإصلاح الإدارى والدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم ظهر يوم الخميس الماضى، خلال لقاء سريع جمعنى بهما ومعهما الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى، على هامش اليوم الأخير من مؤتمر «الأسبوع العربى للتنمية المستدامة».
د. هالة السعيد قالت إن الهدف الأساسى من هذا الصندوق هو تمويل تدريب المدرسين ورعاية الطلاب المتفوقين وبناء المزيد من الفصول للتغلب على مشكلة ارتفاع الكثافة.
هى أكدت أنه لأول مرة نفكر بعقلية استدامة هذه العملية من دون ارتباطها بوجود وزير أول مسئول معين، فالوزير لن يتخذ قرار الصرف من الصندوق، بل مجلس الإدارة المكون من المكتتبين والخبراء المستقلين الذين سيكونون أعضاء فيه.
فكرة الصندوق أنه سيكون وقفا خيريا يقوم على نظام الاكتتابات والأوراق المالية حسب نظام سوق المال. المبلغ الأساسى سيكون ٢٠٠ مليون جنيه بالتعاون بين وزارتى التعليم والأوقاف وبنك الاستثمار القومى، والهدف أن يصل رأس مال الصندوق إلى مليار جنيه، قبل شهر يونيه القادم. وزارة الأوقاف ستسهم بنحو ١٠٠ مليون جنيه سنويا، فى رأس مال الصندوق، وسوف يتم دعوة المؤسسات المصرفية والبنوك وبعض رجال الأعمال للمشاركة فى دعم الصندوق.
الدكتور طارق شوقى قال إن هذا «الوقف الخيرى» يكشف هدف الحكومة والوزارة فى ضمان استمرارية مجانية التعليم عن طريق ترشيد الإنفاق وتوجيه الدعم لمستحقيه. وأنه تم الاتفاق مع أصحاب المدارس الخاصة والدولية على مشاركتهم فى رأس مال الصندوق كنوع من المشاركة المجتمعية، وتحقيقا للعدالة الاجتماعية.
الحكومة تقول بوضوح إنها غير قادرة على تحمل تكلفة التعليم، وأنها تحتاج إلى بناء ٢٦٠ ألف فصل تتكلف ١٣٠ مليار جنيه، هل يعنى ذلك أنها ستلغى مجانية التعليم؟!! هى نفت ذلك أكثر من مرة خلال الأيام الأخيرة، لكن السؤال الجوهرى، من الذى سيدفع هذه الأموال أو من الذى سيمول التعليم؟!.
المنطق يقول إن الحكومة تأخذ الضرائب من المواطنين، نظير أن تقدم لهم التعليم والصحة بالمجان كما تفعل كل البلدان المحترمة، وبالتالى فليس منطقيا أن تأخذ منهم أموالا أخرى من أجل تعليم أولادهم، والأصح أن تضمن جمع الضرائب من الأغنياء بصورة عادلة، كما يفعل كل العالم المتحضر.
وإلى أن يحسم هذا الجدل بصورة واضحة ــ ولا أعتقد ذلك سيحدث قريبا ــ فعلينا البحث عن طرق ووسائل واقتراحات لا تحمّل الفقراء مزيدا من الأعباء، ليضمنوا الحد الأدنى من التعليم الجيد لأولادهم.
«صندوق الوقف» هو أحد هذه الوسائل، لأنه تفكير فعلا خارج الصندوق، ومعمول به فى الكثير من بلدان العالم المتقدمة فى أوروبا وأمريكا. وهناك رجال أعمال كبار يمولون بناء وتأسيس مستشفيات وجامعات ومدارس بصورة مستدامة، من خلال هذه الوقفيات.
سؤال آخر: هل ينجو مثل هذا الصندوق من الغرق فى دهاليز البيروقراطية والفساد والترهل الإدارى؟
لا أملك إجابة شافية بالطبع، وإن كنت أتمنى ذلك. النوايا طيبة موجودة لكن لا تكفى وحدها، بل تحتاج آلية محددة ومستدامة حتى يخرج هذا الصندوق للنور ويكون فعالا والأهم أن يشعر الناس بوجوده وبأهميته.
والسؤال الجوهرى: ما الذى سيدفع الناس للتبرع لهذا الصندوق.. هل هم أصلا يثقون فى الحكومة، الإجابة غدا إن شاء الله.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك