بقلم - عماد الدين حسين
قبل فترة تلقيت اتصالا هاتفيا من فنان كبير، يشكو مما أسماه تشويه بوابة الشروق لكلامه، والإساءة إلى شخصه. استمعت إلى كل ما قاله بهدوء، وطلبت منه أن أعود إلى أصل الموضوع، وبعدها سأرد عليه. وحينما قرأت الخبر واستمعت إلى كلامه، وجدت أن «الشروق» نقلت كلاما حرفيا قاله المطرب لإحدى الفضائيات مصحوبا بفيديو يوثق ما قاله صوتا وصورة.عدت للفنان وقلت له إن بوابة الشروق ليست مخطئة، وإنها نقلت كل ما قاله بأمانة، خصوصا أننى استمعت إلى نص مداخلته مع القناة الفضائية.فوجئت بالفنان يسألنى: ولماذا تعمدت «الشروق» أن تختار هذا العنوان تحديدا؟ أليس هذا كافيا للدلالة على أنها تريد تشويه صورتى؟!.قلت له: ألست أنت قائل هذا الكلام الوارد فى العنوان، وكنت فخور به وأنت تتحدث؟!
قال نعم، فقلت له، وهل تريد أن تتراجع عن كلامك، فقال لا. قلت له إذا الجريدة لم تخطئ، وعليك أن تعتذر، عما قلته بشأن المحرر والموقع. وانتهى الأمر بالرجل، وهو يترجى تغيير العنوان فقط!!!طبعا الذى حدث هو أن كلام الفنان فى الفضائية، لم يكن منطقيا، فقد انهالت عليه التعليقات الساخرة، التى ربما أشعرته أنه كان مبالغا فى كلامه إلى حد كبير.هذه القصة تذكرتها الآن، لأنها ذات دلالة كبيرة، وكثيرون من الشخصيات العامة، يكررونها بين الحين والآخر. تقديرى أن هؤلاء حينما يتحدثون للإعلام «تأخذهم الجلالة، ويشرخون فى الكلام»، ويظنون أنه بكلامهم المبالغ فيه جدا سوف ينالون الخطوة من هنا أو هناك، لكنهم يتفاجأون بسيل عارم من موجات السخرية، وربما يكون بعض مقربيهم قد وجهوا لهم لوما شديدا على ما قالوه!!.هذا النوع من الشخصيات العامة، لا يدرك فى بعض الأحيان حجم وخطورة ما يقوله، أو «سطوة المطبوع». الكلمة أو العبارة تكون عادية جدا حينما يقولها للصحفى أو أمام الكاميرات، لكن حينما تكتب فى عنوان ضخم، أو تسمع على الملأ، يدرك الجميع خطورتها. ويبدأ بعدها فى اتهام وسائل الإعلام بأنها ضخمت من الموضوع أو أخرجته عن سياقه!!.لا يعنى ما سبق أن الصحفيين مجموعة من الأنبياء والقديسين. هناك بعضهم غير مدرب وغير مؤهل ويشوهون الحقائق أحيانا، أو لا يركزون على صلب الموضوع وجوهره، بل على الهوامش. لكن الفاصل فى كل هذه القضية المهمة هو الوقائع. الصحفى دوره أن ينقل كل ما يراه أو يسمعه، وحبذا لو كان موثقا ويفضل أن يكون مسجلا صوتا وصورة.قبل شهور كتبت مقترحا عن ضرورة خضوع بعض المسئولين فى الهيئات والمؤسسات والإدارات المختلفة إلى دورات تدريبية، فى كيفية التعامل مع وسائل الإعلام المختلفة، وأكرر هذا الاقتراح اليوم حتى يتوقف غضب بعض السادة المسئولين بسبب ما ينشر فى الصحف!!أفهم أن يغضب البعض من نشر أرقام أو بيانات غير صحيحة، قد تسبب ضررا للأمن القومى، وهذا الجانب صار الآن خاضعا للعقوبات فى قانون الإرهاب، لكن أن يتم التوسع فى هذا الأمر، ليشمل تصريحات عادية فى مجالات عادية، يقولها بعض المسئولين ثم يتملصون منها، فهو أمر غريب.ليس عيبا أن يتدرب المسئول على ما يقوله، وكيفية تجنب ما لا يريد أن يقوله. هذا الموضوع موجود فى كل بلدان العالم. وبالطبع ليس بهذه «الارتكاريا» الموجودة عندنا. والسبب أن السياسيين وغالبية المسئولين تخرجوا من مدارس حزبية ونقابية منذ الصغر، ولا يقعون فى الأخطاء الساذجة إلا قليلا. لكن وبما أن معظم مسئولينا تكنوفراط، فقد وجب أن يتم تنظيم دورات، يحاضر فيها متخصصون تكون مهمتها الأساسية، كيفية التعامل مع وسائل الإعلام، حتى لا يخطئ المسئول، ونتفاجأ بأنه تم تحميل وسيلة الإعلام المسئولية.الإعلام يعانى من مشاكل متنوعة، لكن من الظلم أن يتم تحميله مسئولية كلام قالته الشخصيات العامة، ثم غضبت لأن وسائل الإعلام نقلته كما هو!!!إن شخصيات عامة وبعض المسئولين المختلفين فى هيئات ومؤسسات يشكون فيها من معالجة الصحف لما قالوه، ومن بينها صحيفة «الشروق». والحقيقة أن الموضوع صار صعبا ومربكا ويتجاوز المنطق أحيانا.الموضوع ليس حديثا، لكنه صار أقرب إلى الموضة واستمراره يزيد من أزمة الصحافة.
أرسل تعليقك