بقلم - عماد الدين حسين
«التطور الذى قد يشكل نقلة إيجابية فى ملف سد النهضة أن هناك بدايات لتفاهم سياسى حقيقى بين قادة البلدان الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا» ــ هذه العبارة قالها لى دبلوماسى عربى بارز مطلع على تطورات الملف. هو يرى أن هناك مشاكل لا تزال موجودة فى الجزء الفنى منذ بداية الأزمة، لكن الذى كان يجعلها شديدة التعقيد وتراوح فى محلها هو غياب التفاهم السياسى أو الرغبة والإرادة فى الوصول إلى حل.
هذا الدبلوماسى قابلته مساء الخميس الماضى، وسبق له أن خدم فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لمدة خمس سنوات. يضيف أن التطورات السياسية فى إثيوبيا قد تقود إلى حلحلة ليس فقط فى ملف سد النهضة ولكن فى مجمل منطقة القرن الإفريقى.
هذا الدبلوماسى ــ المحب والعاشق لمصر ــ يقول إنه يتصور أن مصر وإثيوبيا سوف تتوصلان فى نهاية المطاف إلى اتفاق يسمح لأديس أبابا، بأن تملأ سد النهضة فى فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات، لكن بسيناريوهات مختلفة. بمعنى هذه الفترة قد تزيد إذا كان موسم فيضان نهر النيل شحيحا، وتقل إذا كان الفيضان كبيرا.
لكن هل ستتأثر حصة مصر من مياه النيل فى فترة ملء السد؟!.
الإجابة هى نعم، لكن التأثر سيكون مختلفا بمعنى أن حصة مصر الرئيسية والتى تصل إلى ٥٥٫٥ مليار متر مكعب، قد لا تتأثر كثيرا، لكن الذى سيتأثر إلى حد ما هى الحصة التى تصل لمصر، من تلك التى لا تستطيع السودان أن تخزنها، وهذا الأمر محل نقاش بين البلدان الثلاثة خصوصا بين مصر والسودان.
سألت الدبلوماسى: وهل سيكون لمصر وجود على مستوى الخبراء فى مراقبة تشغيل السد؟
أجاب الرجل بقوله المفترض أنه سيكون هناك وجود لخبراء مصريين وسودانيين خلال فترة ملء السد. وتسعى القاهرة أن يكون لها وجود دائم فى مراقبة عمل وتشغيل السد، لكن إثيوبيا لا تزال ترى أن ذلك قد يمس سيادتها.
قلت للمسئول العربى البارز: ولكن اجتماع وزراء الرى فى البلدان الثلاثة الذى عقد قبل أيام فى أديس أبابا، لم يسفر عن أى تقدم. هو أقر بذلك ولكنه عاد للسطور الأولى من هذا المقال، حينما قال إن التنسيق بين قادة الدول كفيل بالتوصل إلى صيغة سوف ترضى الجميع.
فى تقديره أن على مصر ألا تركز فقط فى علاقتها بإثيوبيا والسودان على ملف سد النهضة، بل أن تسعى إلى تنويع علاقاتها خصوصا مع إثيوبيا فى جميع المجالات. فى تقديره أن التطور الأبرز الذى حدث فى الشهور الأخيرة هو فكرة التعاون بين البلدان الثلاثة فى ملفات وموضوعات وقضايا أخرى غير سد النهضة. على مصر من وجهة نظر هذا الدبلوماسى «ألا تضع كل بيضها فى سلة واحدة»، أى سلة سد النهضة، خصوصا أن مجالات التعاون بين البلدان الثلاثة متنوعة ومتاحة، وأى جهد سيظهر وبسرعة، والأهم سيشعر به مواطنو الدول الثلاث.
الدبلوماسى يقول إنه ليس معنى كلامه أن «كل الأمور تمام وزى الفل». هناك صعوبات ومشاكل بعضها متراكم منذ سنوات طويلة، وتحتاج إلى وقت وجهد وإرادة صلبة من قادة الدول الثلاث، وكبار المسئولين فيها.
هو متأكد من رغبة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى التوصل إلى حل حقيقى لكل المشاكل. ورأيه أن خطاب السيسى أمام البرلمان الإثيوبى قبل أكثر من عامين، ترك أثرا طيبا لدى الشعب الإثيوبى، الذى كان جانب كبير منه يتشكك فى جدية مصر للتقارب والتعاون.
على مصر ــ من وجهة نظر هذا الدبلوماسى ــ أن تستمر فى خطها القائم على التعاون، خصوصا أن هناك متغيرا مهما بدا يظهر فى الصورة، وهو الدور السعودى والإماراتى البارز فى ملف تهدئة المشاكل فى القرن الإفريقى، والمصالحة الكبرى بين إثيوبيا وإريتريا وجيبوتى والصومال.. هذه المصالحة قد تلعب دورا مهما فى ملف سد النهضة إذا أُحسن استغلالها، لكنها من ناحية اخرى قد تزيد من تعنت الموقف الإثيوبى.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك