بقلم - عماد الدين حسين
هل تفكر الحكومة فى رفع الرسوم الدراسية فى المدارس الحكومية؟
هذا السؤال خطر على ذهنى وأنا أحضر الاجتماع بين وزير التعليم الدكتور طارق شوقى ورؤساء تحرير الصحف وكبار الكتاب والإعلاميين يوم الاثنين الماضى.
الذى فتح الموضوع هو تعليق من المفكر الكبير الدكتور مصطفى الفقى مدير مكتبة الإسكندرية، حينما قال إنه يجب التركيز على السياسات وليس الإجراءات، وخلق وعى عام، ووحدة فى نظم التعليم المختلفة لأن أحد أسباب تدهور دورنا الإقليمى هو تدهور التعليم، ثم تساءل «هل يجب أن يظل التعليم متاحا لكل الناس أم يقتصر فقط على قلة؟».
فى مداخلة كرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، طالب بفتح الشرايين أمام المجتمع المدنى والقطاع الخاص لتخفيف العبء عن الدولة فى تمويل التعليم. بعده مباشرة حذر النائب مصطفى بكرى من المساس بمجانية التعليم لأنها ستفجر المجتمع بأكمله. أما الإعلامى نشأت الديهى، فقال إن المعضلة هى من الذى سيمول التعليم، وإن ما سمعه من الدكتور الفقى فى منتهى الخطورة.
عند هذه اللحظة اضطر الدكتور الفقى للتدخل بقوله: «لم أقصد بالمرة مجانية التعليم العام، بل التعليم الجامعى».
وبعده قال نقيب الصحفيين ورئيس مجلس إدارة الأهرام عبدالمحسن سلامة: «علينا ألا ننشغل كثيرا بجدلية التطوير أم التمويل، وربما يكون من الأفضل أن نطور ثم نبحث عن التمويل».
هذه الكلمات والمداخلات والتعليقات لم تأت من فراغ، فقد سبقها بضع إشارات من الدكتور طارق شوقى، وهو يتحدث عن مشكلة التعليم فى مصر.
أهم هذه الإشارات، قوله إنه لكى نصل بالكثافة إلى ٤٠ تلميذا فى الفصل، فإننا نحتاج ٢٦٠ ألف فصل بتكلفة تبلغ نحو 130 مليار جنيه، على أساس أن تكلفة إنشاء الفصل الواحد تصل إلى نحو نصف مليون جنيه. فى حين أن قدرتنا الآن لا تستطيع تلبية أكثر من ١٥ ألف فصل.
الوزير طالب الإعلاميين بعدم التركيز فقط على الأخبار الصغيرة والمثيرة، بل أن يشرحوا للناس وللأسر ماذا يعنى التعليم؟!.
هو يقول مندهشا: «الستات بتبيع مجوهراتها لكى تعلم أولادها»، والناس تعرف أنه لا توجد مجانية حقيقية، وهذه المجانية تحتاج نقاشا جادا، لكن المشكلة الحقيقية أن غالبية الأسر تدفع ٥٠ جنيها للتلميذ رسوما فى المدارس الحكومية، يصل منها للوزارة فى النهاية عشرة جنيهات فقط!!.
الوزير سأل ماذا لو حصلنا على ٧ مليارات فقط من هذا المبلغ بحيث نزود راتب المدرس بمقدار ألف جنيه، علما أن عدد المدرسين 1.3 مليون معلم؟
يقول الوزير إن بعض الأهالى «يطلعون عين الوزارة» من أجل عدم دفع الخمسين جنيها رسوما، فى حين يدفعون المليارات للسناتر بكل رضا، فكيف نعيد إصلاح هذا الخلل، المتمثل فى عدم وجود فصول كافية أو بنية تحتية أو حتى «تخت»، ناهيك عن قلة دخل المعلمين الذى يحتاج كل واحد منهم إلى عشرة آلاف جنيه شهريا، من أجل حياة إنسانية، لكن لا نملك أن نوفر له ذلك.
الوزير دعا إلى نقاش عام لحل هذه المعضلة، مثل عمل وقفيات لتمويل التعليم، خصوصا أن هناك ٦٠٠ ألف تلميذ يدخلون المدارس فى أول كل سنة، والميزانية كلها لا تزيد عن ٨٩ مليارا منها ٣٠ مليارا مرتبات و٤٠ مليارا للمبانى.
ذلك ما قاله الوزير، وبعدها طالب مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الاعلى للإعلام، بضرورة التوصية بأن تخصص الدولة ٢٥ مليار جنيه زيادة فى ميزانية التعليم، لتمويل بناء ما نحتاجه من فصول.
هذا ما حدث يوم الاثنين الماضى.. هو ليس جديدا.. فقد أثير الموضوع أكثر من مرة فى السنوات السابقة، واليوم يطرح من جديد، لكن فى سياق أكثر تكاملا وشمولا عنوانه «مفيش خدمات ببلاش»!.
الأصل أن الدولة تحصل الضرائب من الجميع كل حسب قدرته ودخله، من أجل أن توفر لهم التعليم والصحة بالمجان. السؤال كيف نحل هذه المعضلة، وأحد جوانب المشكلة، أنه فى اللحظة التى فشلت فيها الحكومة فى تقديم تعليم جيد، فقد اضطر غالبية الناس إلى الهروب للمدارس الخاصة وللدروس الخصوصية.
القضية تتعلق بسياسات عامة واضحة واستعادة الحكومة لثقة المواطنين أولا، وبعدها يصبح كل شىء سهلا.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك