أعرف الدكتور طارق شوقى قبل أن يتولى منصب وزير التربية والتعليم، حينما كان رئيسا للمجلس التخصصى للتعليم، ثم تولى منصب رئيس المجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية.
زارنا قبل سنوات فى «الشروق» وأذكر يومها أننى كونت انطباعا شديد الإيجابية عن الرجل وطريقة تفكيره ومنهجه العلمى الهادئ والرصين، وانحيازه الواضح إلى العلم والعلماء والدولة المدنية.
حاورت الوزير صحفيا، واستمعت إليه فى أكثر من ندوة ولقاء ومؤتمر، كما جلست معه فى جلسات خاصة، برفقة بعض الأصدقاء الصحفيين.
لا أشك إطلاقا فى حسن نوايا الوزير، ولا وطنيته ولا رغبته الشديدة فى إصلاح حال التعليم المايل.
الرجل لديه رؤية كاملة لإصلاح التعليم، ويتعامل مع الموضوع ليس باعتباره أمرا وظيفيا، بل إنه يؤدى رسالة لخدمة كل الأجيال التى تشكو من سوء مستوى التعليم.
حينما استمعت إلى رؤيته لتطوير التعليم، شعرت بأنه يتحدث عن شىء مقتنع به تماما، لدرجة أنه يتكلم بانفعال وهو يقلب صفحات وموضوعات كتب النظام الجديد، أو وهو يتصفح الجزء الإلكترونى من النظام.
حرصت على كتابة المقدمة السابقة، حتى أوضح وجهة نظرى أولا وحتى أستطيع القول إننى أخشى أن يصطدم الدكتور طارق شوقى مع الإعلام والإعلاميين وقطاعات كثيرة فى المجتمع، لوجود سوء فهم كبير، أو عدم قدرة الطرفين على الوصول لنقاط اتفاق واختلاف أو منهج عمل يحكم طريقة التعامل.
أقول هذا الكلام بسبب ما تحدث به الوزير فى أكثر من مناسبة فى الفترة الأخيرة خصوصا فى المؤتمر الصحفى الذى عقده يوم السبت قبل الماضى فى مقر الوزارة، وانتقد فيه نشر صور تظهر الكثافة داخل الفصول، كما انتقد ممارسات أشخاص يريدون «العكننة على المصريين» من خلال استبدال صور المدارس المزدحمة بصور المدارس اليابانية. قال الوزير أيضا إن مشكلة الكثافة الطلابية موجودة من ١٥ عاما، وسوف تستمر عشر سنوات أخرى مقبلة.
أتفق مع الوزير فيما قاله، واتفق معه أن هناك مشكلات متراكمة مثل الكثافة وغيرها، ولا نحمله مسئوليتها.
لكن أختلف مع الوزير تماما فى النظر إلى أى نقد باعتباره محاولة للهدم والعكننة على المصريين.
هل هناك محاولات للتربص بالوزير وبالنظام الجديد للتعليم، بل وبالحكومة والبلد بأكمله؟!
نعم هذا الأمر موجود وسوف يستمر، لكن هل كل شخص ينتقد النظام الجديد للتعليم أو أى ممارسات خاطئة هو متآمر ضد الوزير والبلد بأكمله؟.. الإجابة قطعا هى: لا.
أعرف زملاء صحفيين كثيرين ضد النظام التعليمى الجديد، لكنهم وطنيون شرفاء. بعضهم لم يطلع جيدا على الأمر، وبعضهم لديه هواجس حقيقية، وبعضهم يقول كيف نصلح الحال المايل ونحن لا نملك فصولا يجلس فيها الطلبة، أو معلمين مؤهلين لتطبيق هذا النظام، الذى من وجهة نظرهم سوف يزيد من الدروس الخصوصية ولا يقللها فيما يتعلق بالمرحلة الثانوية.
ناقشت هؤلاء كثيرا، وأقنعت بعضهم بجزء من وجهة نظرى المؤيدة للنظام الجديد، وهم أقنعونى ببعض هواجسهم.
علينا جميعا أن نفرق بين شيئين: الأول أهمية دعم النظام الجديد والعمل على إنجاحه، والثانى هو حق الإعلام والإعلاميين فى الاختلاف مع الوزير والوزارة فى كيفية التطبيق أو حتى طرح رؤى مختلفة كليا مادامت فى إطار القانون والقواعد المهنية،
ما أريد أن ألفت إليه نظر سيادة الوزير المهذب والمحترم طارق شوقى هو أن يتسع صدره كثيرا لوجهة النظر الأخرى، وألا ينظر إلى أى انتقاد باعتباره نظرية مؤامرة.
لو أن صحفيا وضع صورة خاطئة، فليتم الرد عليه بسرعة من دون أن يعنى ذلك وجود مؤامرة. ولو أن صحفيا تحدث عن الكثافة الطلابية يتم توضيح الأمر ببساطة.
دور الوزير والوزارة هو إقناع الناس بالنظام الجديد واستمرار الشرح والتوضيح. أما الإصرار على أن يقتنع الجميع بالقوة وألا يتحدث أحد عن النقد والاختلافات والمشكلات فهو امر يفترض أنه ضد فلسفة النظام الجديد القائمة على محاربة الحفظ والتلقين والمشجعة على بناء عقول نقدية حرة ومتحررة!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك