بعد الجلسة الافتتاحية لمنتدى الشباب الدولى فى شرم الشيخ، قابلت أحد كبار المسئولين عن المنتدى، وسألته: لماذا لا يكون هناك تركيز على عنصر محدد فى مثل هذه المؤتمرات، وليكن تعميق العلاقات مع الجيل الجديد فى إفريقيا، بدلا من الاهتمام بدعوة شباب من كل بلدان العالم؟!.
الرجل ابتسم وقال: لا تتعجل وانتظر توصيات المؤتمر فى يومه الأخير، وسوف تكتشف أننا فعلنا ما تتحدث عنه بالضبط، وربما أكثر.
وفى الجلسة الختامية للمنتدى أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى ضمن التوصيات، مدينة أسوان عاصمة للشباب الإفريقى، على أن يتم تنظيم ملتقى الشباب العربى الإفريقى فى أسوان فى العام المقبل. وأن تتحول شرم الشيخ إلى مدينة للتكامل العربى الإفريقى، وسوف تتقدم مصر بهذا الأمر إلى الجامعة العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقى.
من بين التوصيات أيضا أن تقوم الأكاديمية الوطنية بتدريب الشباب العربى والإفريقى فى كل المجالات، بإطلاق البرنامج الرئاسى لتدريبهم على القيادة. وإطلاق حملة إقليمية ودولية للتوعية بخطورة قضية الأمن المائى. وكذلك إطلاق مبادرة لتدريب عشرة آلاف شاب مصرى وإفريقى كمطورى ألعاب وتطبيقات إلكترونية خلال السنوات الثلاث المقبلة. ودعم إنشاء ١٠٠ شركة متخصصة فى هذه المجالات فى مصر وإفريقيا. وإنشاء مركز إقليمى لريادة الأعمال لتقديم جميع سبل الدعم اللازمة للشركات الجديدة والمبتدئة فى مصر وإفريقيا.
هذه توصيات عظيمة، لكن الأعظم أن يتم ترجمتها فعليا على أرض الواقع، وإذا ظلت حبرا على ورق فسيكون ذلك أمرا محزنا. لكى نضمن تحولها إلى أمر واقع يفترض أن تكون هناك آلية عملية لمتابعة تنفيذها، على غرار الطريقة التى يتبعها الرئيس السيسى مع المسئولين عن تنفيذ بعض المشروعات، مثلما رأينا يوم تكليفه بحفر قناة السويس الجديدة.
الفكرة ببساطة أنه إذا كانت هناك إمكانيات مادية متوافرة لاستضافة خمسة آلاف شاب، فلنحولها إلى فرصة للعودة الفعلية إلى إفريقيا.
نتحدث دائما عن ضرورة العودة لإفريقيا مثلما كان الحال عليه فى الخمسينيات والستينيات. التاريخ لا يكرر نفسه، وللموضوعية فالدنيا تغيرت تماما. فى ذلك الوقت كانت معظم القارة تحت نير الاستعمار، ولم يكن هناك تعليم أو تنمية. الآن المنافسة صارت صعبة، وهناك قوى دولية وإقليمية كثيرة تلعب فى هذه القارة. لكن الخبر السار أنه يمكننا العودة والمنافسة فى هذه القارة السمراء رغم التحديات والصعوبات خصوصا غياب الموارد.
هناك دول تنفق الكثير من الأموال هناك مثل الصين، وتركيا وبلدان خليجية أخرى، لكن ربما نملك نحن إمكانية التأثير الثقافى والإعلامى، وكذلك السياسى، إذا أحسنا إدارة الأمر بذكاء.
تخيلوا لو نجحت الأكاديمية الوطنية لتأهيل الشباب فى تدريب ألف أو عشرة آلاف إفريقى خصوصا من دول حوض النيل، ولو نجحنا فعلا فى تدشين شركات لرواد الأعمال الشباب. فسوف يكون هؤلاء أفضل سفراء لمصر فى بلدانهم. ويفضل أن يكونوا من قادة المستقبل فى بلادهم سواء كانوا شبابا فى أحزاب أو هيئات أو مؤسسات مجتمع مدنى.
تستطيع الجامعات العامة والخاصة أن تبادر إلى تقديم منح دراسية للطلاب الأفارقة، وللموضوعية هناك بعض الجامعات بادرت إلى ذلك، مثل الجامعة البريطانية فى القاهرة. وقبلها جامعات القاهرة وعين شمس وجامعات أخرى. وللتذكرة فجزء من قوتنا الناعمة ما زلنا نستمدها من الطلاب الأفارقة والعرب الذين درسوا فى القاهرة ثم عادوا واحتلوا مراكز مهمة فى بلدانهم، ومن سوء الحظ وبحكم عامل الزمن فإن غالبيتهم صاروا الآن على المعاش أو رحلوا عن دنيانا.
أتمنى ألا يكون ما حدث فى ختام المؤتمر مجرد توصيات كتلك التى نشهدها فى كثير من المؤتمرات. وأتمنى أن يتابع الرئيس تنفيذها شخصيا.
هناك فرصة حقيقية للتركيز على إفريقيا بمبادرات بسيطة لكنها دائمة، ولكى نكون عمليين فعلى إدارة المنتدى أن تقدم كشف حساب عما تم إنجازه كل عام، فى هذا الملف، وعدد الطلاب أو الشباب الذين تم تدريبهم.
مثل هذا المشروع يتطلب إدارة دائمة، وميزانية مستقلة يساهم فيها الجميع، مثلما فعلوا فى المنتدى الأخير. لو أن ذلك قد حدث، فسوف نجنى من ورائه الكثير.
نقلا عن الشروق
أرسل تعليقك