بقلم - عماد الدين حسين
هل يتقارب الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى مع قطر وتركيا لتخفيف الضغوط عليه فى قضية مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى فى قنصلية بلاده باسطنبول فى الثانى من أكتوبر الماضى؟!
الإجابة فى علم الغيب حتى هذه اللحظة. وتجربة السياسة العربية بل والدولية فى السنوات الاخيرة، عودتنا دائما أنه لا شىء مستحيل إطلاقا، حتى لو تصوره جميع الناس كذلك. لكن القراءة الموضوعية تقول إن علاقات السعودية مع كل من تركيا وقطر مرشحة للتدهور أكثر وليس للتقارب خلافا لغالبية التوقعات فى هذا الصدد.
طبعا سيسأل البعض ساخرا: وهل هناك أساسا أى شىء يمت للموضوعية بصلة فى منطقتنا المنكوبة بالمآسى والكوارث؟!
أتعاطف مع أصحاب هذا المنطق المتشائمين من ظواهر كثيرة، لكن نحاول قدر الإمكان البحث عن إجابة معقولة لأسئلة تبدو محيرة.
فى الأيام الأولى لتفجر قضية خاشقجى وخصوصا بعد اعتراف الحكومة السعودية بأنه قتل داخل القنصلية، راجت تقارير كثيرة اكتفى معظمها بالنبش فى قشرة الموضوع، وخلاصتها أن تركيا ستقبل بوجهة النظر السعودية الرسمية، مقابل ضخ المملكة لمليارات كثيرة من شرايين الاقتصاد التركى المتيبسة، خصوصا بعد الأزمة الطاحنة التى نتجت عن انهيار الليرة التركية قبل أسابيع قليلة.
قرأنا العديد من التقارير لدرجة أن بعضها تحدث عن تعهد سعودى بتزويد تركيا بالنفط بسعر ٣٠ دولارا للبرميل لعدة سنوات. وسمعنا أيضا عن تقارير أخرى تتحدث عن استعداد سعودى لإنهاء المقاطعة المفروضة على قطر منذ يونيو قبل الماضى. هذه التقارير اكتسبت بعض المصداقية، حينما تحدث الأمير محمد بن سلمان عن قطر بصورة ايجابية للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة قائلا إنها تتمتع باقتصاد قوى.
السؤال هل بعد الحملة الإعلامية غير المسبوقة من قبل كل من تركيا وقطر، يمكن الحديث عن تقارب قريب؟!
الإجابة المنطقية من وجهة نظرى هى لا قاطعة، والسبب أن غالبية هذه الحملة كانت موجهة بالأساس إلى شخص محمد بن سلمان. وبما أن السياسات العربية هى شخصانية فى المقام الأول، فمن المنطقى أن تتحول المعركة إلى شخصية إضافة إلى شقها الموضوعى، وعلينا أن نلاحظ الإشارة إلى عدم التغير فى المطالب الـ١٣ من قطر خلال زيارة محمد بن سلمان الأخيرة لمصر. لكن مرة أخرى فإن هذه الإجابة ليست قاطعة، والسبب هو الضغوط الأمريكية المتوالية على بلدان الخليج، للمصالحة مع قطر، حتى يتفرغ الجميع لمواجهة إيران من وجهة نظر امريكية بالطبع.
وبالتالى فإن الإجابة معلقة ومشروطة بقدرة السعودية على مواجهة هذه الضغوط خصوصا بعد أن تم استنزافها فى قضية خاشقجى بصورة لم يتخيلها احد.
لكن سنفترض أن واشنطن تمكنت من إقناع السعودية بالتقارب مع قطر، أو نجحت فى إقناع انقرة بوقف التصعيد مع الرياض، فهل يعنى ذلك أن العلاقة بين بن سلمان وكل من رجب طيب أردوغان وتميم بن حمد سوف تتحسن، وكأن شيئا لم يكن؟!
المتابع للقضية سوف يكتشف بسهولة أن أردوغان كان يصوب و«ينشن» كل سهامه باتجاه محمد بن سلمان شخصيا، وكل تصريحاته وتحركاته وتسريباته خلال القضية المختلفة كانت مكرسة لتحقيق هذا الهدف. وبجانب ذلك فإن وسائل الإعلام القطرية والإخوانية، كانت تترجم هذا التوجه إعلاميا وبكثافة منقطعة النظير.
من أجل كل ذلك، فإنه حتى ولو اتخذ بن سلمان خطوات تهدئة باتجاه قطر، وحتى لو هدأت الضغوط التركية على السعودية، فإن النتيجة الحتمية للصراع المحموم بين كل من بن سلمان وأردوغان وتميم، هى مزيد من التباعد والشحن والعداء.
المعركة تطورت، ولم تعد فقط موضوعية، تتعلق بقضية كاتب صحفى قتل ببشاعة، بل بصراع شخصى محموم يريد طرفاه ان يتحول إلى مباراة صفرية!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك