بقلم - عماد الدين حسين
غالبية الإشارات الخاصة بمصر فى خطاب وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، الذى وجهه عصر الخميس الماضى، من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلى العالمين العربى والإسلامى، كانت إيجابية.
فى هذه القراءة السريعة، سنلقى الضوء على هذه الإشارات مرتبة زمنيا:
فى الفقرة الأولى من خطابه قال بومبيو، إنه سعيد بوجوده فى مصر، التى زارها كثيرا سواء كوزير أو مدير لوكالة المخابرات المركزية أو عضو بالكونجرس، وإنه فى كل مرة يزورها يرى شيئا رائعا. لكن زيارته الأخيرة كان لها معنى خاص له «كمسيحى إنجيلى ــ بعد وقت قصير من احتفالات عيد الميلاد فى الكنيسة القبطية ــ يحتفظ فى مكتبه بالكتاب المقدس ليذكره بالله وكلمته وبالحقيقة».
أثنى بومبيو على الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التى تأسست منذ قرن كامل، وقال إنها «أكثر من مجرد جامعة، بل رمز مهم لصداقة أمريكا ومصر، وما يجمع الشعبين معا»، أضاف: «لقد أنشأنا مكانا حديثا للتعلم وسط حضارة قديمة لها تاريخها الغنى بالفنانين والشعراء والمفكرين».
غازل بومبيو المصريين بقوله: «لقد كانت مصر دائما أرض الكفاح، ومع ذلك كانت تطلعاتكم وآمالكم وآمال إخوانكم فى الشرق الأوسط، تبدو وكأنها مستحيلة التحقق، وشهدت هذه الأراضى هزات قوية من تونس إلى طهران» وهو يقصد ثورات أو هبات الربيع العربى.
وغازل بومبيو الحكومة حينما شن هجوما كاسحا ومكشوفا وغريبا على الرئيس السابق باراك أوباما: «لقد وقف فى هذه المدينة بالذات قبلى أمريكى آخر، وأخبركم أن الإرهاب الإسلامى المتطرف لا ينبع من أيديولوجية» ونتائج هذا التقدير الخاطئ كانت سيئة للغاية، بسبب ما رأيناه من نتائج وحشية. غازل الحكومة أيضا، حينما قال إن سياسات «إدارة أوباما قوضت مفهوم الدولة القومية، وهى حجر الأساس للاستقرار الدولى»، وهى الفكرة التى يؤكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى دائما.
أشاد بومبيو بوضوح بالسيسى قائلا: «إنه انضم إلينا فى إدانة الأيديولوجية الملتوية للتطرف التى جلبت الموت والمعاناة إلى هذا العدد الكبير، وإنى لأشكر الرئيس على شجاعته».
غازل بومبيو المثقفين المصريين حينما استشهد بقول الأديب الكبير نجيب محفوظ: «الخير ينتصر فى كل يوم، ولعل الشر أضعف مما نظن»، وكان ذلك فى معرض إشارته إلى أن التطرف سينهزم فى النهاية.
حينما تحدث بومبيو باستفاضة عن ضرورة مواجهة إيران ذكر مصر من بين دول كثيرة بالمنطقة لعبت دورا أساسيا فى إحباط جهود إيران للتهرب من العقوبات.
وحينما تحدث عن بناء التحالف فى المنطقة، قال إننا يجب أن نحافظ على صداقتنا مع مصر، «التى تعود أجيالا وأجيالا إلى الوراء»، وطلب من مصر والأردن ودول الخليج المساعدة فى تأسيس التحالف الاستراتيجى للشرق الأوسط لمواجهة التحديات الأكثر خطورة، وبعدها مباشرة وجه تحية كبيرة لعملية التطبيع بين إسرائيل والخليج.
قال بومبيو أيضا: بينما نسعى إلى شراكة أقوى مع مصر، فإننا نشجع الرئيس السيسى على إطلاق العنان للطاقة الإبداعية لشعب مصر وعدم الاكتفاء بالاقتصاد، وتشجيع تبادل الأفكار بحرية وانفتاح، ويمكن للتقدم الذى تم إحرازه إلى اليوم أن يستمر.
ربما تكون الفقرة السابقة، هى التى لا تحبذها الحكومة المصرية كثيرا هذه الأيام، وإن كانت إدارة ترامب هى الأقل صخبا فى هذا الأمر مقارنة بالديمقراطيين، وتفضل أن تدعو إلى ذلك سرا أو همسا.
فى الفقرات الأخيرة من خطابه عاد بومبيو ليشيد مرة أخرى بجهود السيسى لتعزيز الحرية الدينية التى تعطى مثالا لجميع قادة الشرق الأوسط. وأشاد أيضا ببراءة الأمريكيين المتهمين فى قضية المنظمات الأجنبية، قائلا: «إنه تمت إدانتهم بالخطأ». وارتباطا بذلك أيد بومبيو مبادرة السيسى لتعديل قانون الجمعيات الأهلية، حتى لا تتكرر محاكمة الناشطين فى مجال حقوق الإنسان. وأردف ذلك بالقول: «لابد من القيام بمزيد من العمل لتحقيق أقصى إمكانيات الأمة المصرية وشعبها، أنا سعيد لأن أمريكا ستكون شريكا فى هذه الجهود».
ما سبق كان مجمل الإشارات الأمريكية عن مصر، وهى إيجابية تماما، باستثناء ما ورد عن «إطلاق الطاقات»، على الرغم من أن هذه الملاحظة وردت فى سياق إيجابى ودود.
إجمالا يمكن القول إن خطاب بومبيو كشف أن إدارة ترامب ــ وليس كل مؤسسات صنع القرار الأمريكى ــ قد نسفت أفكار أوباما، وتحاول دفنها تماما. وهنا بالضبط يمكن القول إن ذلك هو الأساس التى تقوم عليه علاقات ادارة ترامب ليس مع مصر فقط، ولكن مع غالبية حكومات المنطقة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك