بقلم - عماد الدين حسين
قبل أسابيع قليلة زرت محافظة أسيوط لمدة يوم واحد للسلام على أسرتى. قابلت مئات الأشخاص فى القرية والمركز وفى أحد المدافن بقرية الدير المحرق بالقوصية خلال أداء واجب العزاء فى أحد الأقارب.الموضوع الوحيد تقريبا ــ بعد السلامات والطيبات ــ هو بطاقات التموين، وما هى المعايير لعملية الإلغاء، وكذلك إضافة المواليد الجدد، خصوصا أن عملية التطبيق قد بدأت فعليا على أرض الواقع؟!.إجابتى على كل من سألنى، كانت من واقع التصريحات الرسمية التى تصدر من الدكتور على مصيلحى وزير التموين، أو كبار المسئولين بالوزارة. وطلبت إلى كل من تحدثت معه، ألا يستمع إلى أى كلام مرسل بعيدا عن التصريحات الرسمية، أو أن يسأل مسئولى مديرية التموين فى قريته أو مركزه أو محافظته.ولأن الموضوع فى غاية الأهمية، فإننى أرجو أن تتنبه الحكومة المصرية وجميع أجهزتها ومؤسساتها إلى الأهمية الفائقة جدا لقضية بطاقات التموين والمعايير المختلفة التى يتم على أساسها الحذف أو الإضافة.هذا الموضوع فى صميم الأمن القومى بمعناه الحقيقى. هو موضوع يتقدم فى الأهمية على أى موضوع آخر مهما كان اسمه.موضوع بطاقات التموين يهم غالبية الأسر المصرية حرفيا، فالتقديرات تقول إن عدد الأشخاص المستفيدين من بطاقات التموين يزيد على ٧٠ مليون مصرى، فى حين أن عدد المستفيدين من بطاقات دعم الخبز يصل إلى نحو ٨٠ مليونا، يعنى النسبة تتراوح ما بين ٧٠ ــ ٨٠٪ من كل المجتمع تقريبا.غالبية الحكومات السابقة كانت تسعى إلى ترجمة مصطلح «إيصال الدعم إلى مستحقيه» على أرض الواقع. هذه الحكومات كانت تتردد وتجبن عن اتخاذ القرار لأسباب متعددة يطول شرحها، أهمها الأحوال المعيشية السيئة، وشراء ولاء الناس، مقابل ترك النظام مستمرا فى الحكم.أتفق مع الحكومة تماما فى أنها قررت أن تدخل عش الدبابير، وتعيد هيكلة الدعم عموما، وليس التموين فقط، حتى تعطى الدعم لمن يستحق فقط، وليس لكل الناس.الحكومة تقول إنها تريد تنقية البطاقات، حتى تحرم من لا يستحق، السؤال هل هناك من يعارض ذلك؟.. الإجابة هى لا قاطعة، لكن المشكلة تكمن دائما كما يقولون فى التفاصيل، وأيضا فى كيفية تنفيذ وتطبيق ما يتم وضعه من قواعد.إذا لا خلاف فعليا على المبدأ، لكن الخلاف على وجود معايير محددة وسليمة وصحيحة وعادلة، وأيضا كيفية تطبيقها والأهم التراجع عنها إذا ثبت خطؤها.تقول الحكومة إنها بدأت فعليا فى حذف غير المستحقين مثل لواءات الجيش والشرطة ورؤساء مجالس الإدارات والوزراء وكل أصحاب المناصب العليا، وهو توجه محمود ومحترم، وتأخر اتخاذه لسنوات طويلة، فلا يصح أن يكون هناك رئيس مجلس إدارة شركة يتقاضى عشرات الآلاف من الجنيهات شهريا وأحيانا مئات الآلاف، ثم يحصل على سسلع تموينية مدعمة أو حتى خبز مدعم، حيث سعر الرغيف خمسة قروش وتكلفته اكثر من ٥٥ قرشا؟!سوف يشعر الكثيرون بالراحة حينما يتم حذف غير المستفيدين، الذين كلفوا ميزانية الدولة مليارات الجنيهات على مدى السنوات الماضية.لكن السؤال الجوهرى ليس فقط حرمان غير المستحقين، ولكن الحفاظ على الدعم للمستحقين.النقطة الجوهرية التى ينبغى أن يستمر فيها النقاش مطولا هى عدالة المعايير. وفى هذا الصدد ينبغى التوصل إلى إجابة صحيحة لسؤال من هو المستحق، وغير المستحق للدعم؟!الإجابة لا تكفى فقط أن أقول أنه من يكون مرتبه أقل من ١٢٠٠ جنيه أو لا يستهلك ألف كيلو كهرباء شهريا أو ينفق ألف جنيه شهريا على فاتورة الموبايل. لكن الإجابة ينبغى أن تركز على سؤال أهم وهو: ما هو تعريف الحد الأدنى للمعيشة، وما هو الدخل الذى يجعلنا نصف إنسانا بأنه ثرى أو فقير أو معدم أو متوسط الدخل.التطورات الاقتصادية التى حدثت فى السنوات الأخيرة «لخبطت» العديد من المسلمات. خصوصا فى ظل ارتفاع الأسعار بعد التعويم وإعادة هيكلة دعم الطاقة.لابد أن نبذل جهدا كبيرا ومستمرا فى تعريف عادل وموضوعى لمن يستحق ومن لا يستحق الحصول على الدعم.. ما سبق خطوط عريضة، تستحق المزيد من النقاش المفصل.
أرسل تعليقك