بقلم - عماد الدين حسين
ما الذى دار فى رأس الإرهابى هشام العشماوى حينما تم القبض عليه فى مدينة درنة الليبية فى أكتوبر الماضى، وما الذى دار فى رأسه، حينما تم ترحيله ليلة الثلاثاء الماضى من ليبيا، وانفتح باب الطائرة العسكرية ليجد نفسه فى مصر، عقب زيارة الوزير اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة إلى ليبيا، ولقائه مع قائد الجيش الوطنى المشير خليفة حفتر؟!إجابة كل هذه الأسئلة، لا يعلمها إلا الله، ولا نعرف هل دارت أى نقاشات بين عشماوى وعناصر الأمن المصرى الذين اصطحبوه من ليبيا إلى القاهرة، أم لا؟!لو حاولنا التخمين فأغلب الظن، أن ما دار فى رأس هشام على عشماوى، هو شريط حياته بالكامل، من لحظة ولادته عام ١٩٧٨ بمدينة نصر بالقاهرة، والتحاقه بالكلية الحربية عام ١٩٩٦، وتخرجه منها عام ٢٠٠٥ وانضمامه لسلاح الصاعقة، ثم بدء رحلة تطرفه التى انتهت بفصله من الخدمة عام ٢٠٠٩.من المحتمل أن عشماوى لم يتوقف كثيرا فى ذكرياته عند عمله فى التصدير والاستيراد بعد فصله من القوات المسلحة مباشرة، لكنه سيتذكر أكثر تكوينه لخلية إرهابية مع ٤ ضباط شرطة مفصولين أيضا فى حى المطرية ثم نقل نشاطه لمدينة نصر، وبعدها مساهمته فى تأسيس تنظيم أنصار بيت المقدس.سوف يتذكر عشماوى سفره إلى تركيا عام ٢٠١٣، ودخوله منها إلى سوريا، وانضمامه إلى إحدى التنظيمات المسلحة ضد الجيش السورى، وبعدها سوف يتذكر عودته لمصر عقب إسقاط حكم جماعة الإخوان فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ليشارك فى العمليات الإرهابية.خلال جلوسه معصوب العينين داخل الطائرة منذ تحركها من شرق ليبيا وحتى هبوطها فى القاهرة، فإن العمليات التى نفذها عشماوى أو شارك فيها أو أشرف عليها ستمر بالتأكيد فى شريط الذكريات، خصوصا محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم فى عام ٢٠١٣، وبعدها تنفيذ عملية مذبحة الفرافرة فى يونيو ٢٠١٤. ثم انشقاقه عن تنظيم داعش فى يوليو ٢٠١٦، وتأسيسه لتنظيم «المرابطون» الموالى لتنظيم القاعدة، وفى هذه النقطة سيتذكر عشماوى استهداف الكتيبة ١٠١ الذى أسفر عن استشهاد ٢٩ وإصابة ٦٠ آخرين، وإصابته هو برصاصة فى ساقه قبل أن ينجح فى الهروب.وقد يتذكر عشماوى أيضا عملية استشهاد ٢٩ قبطيا تم قتلهم بهجوم على أتوبيس كان فى طريقه لأحد أديرة المنيا، ويقال إنه كان يقف وراءه، طبقا للمتحدث باسم الجيش الليبى العقيد أحمد السمارى فى يونيو ٢٠١٧.الذى سوف يشغل عقل ورأس عشماوى من الآن فصاعدا هو تفاصيل اتهامه بارتكاب ٥٤ عملية إرهابية، مع ٢١٢ متهما آخرين، منذ إسقاط حكم جماعة الإخوان.ستمر كل هذه الذكريات التى نعرفها فى ذهن عشماوى، وستمر ذكريات ومشاهد أخرى مختلفة لا نعلمها، لكنها مؤثرة فى مشوار حياته.لكن أغلب الظن أن المشهد الذى لن ينساه أبدا، هو وصوله إلى القاهرة ليلة الثلاثاء مقيدا وعيناه معصوبتان، ومقادا إلى «البوكس» برفقة رجال الأمن، فى طريقه لبدء التحقيق معه. ستكون ذكريات هذه الليلة، ربما أسوأ بمراحل من لحظة القبض عليه فى مدينة درنة الليبية حينما حررها الجيش الوطنى الليبى قبل شهور بصورة نهائية من العناصر الإرهابية التى كانت تحتلها. وقد يكون عشماوى تمنى أن يظل فى ليبيا مسجونا، عوضا عن هذه الصورة التى تساوى الكثير.صورة عشماوى مكبل اليدين، سوف تسعد كل أقارب وأهالى الشهداء وكل معارضى الإرهاب، لكنها ستحزن كل الإرهابيين والمتعاطفين معهم، الذين يركزون على قضايا شديدة الفرعية والتفاهة، بدلا من دلالات هذا الصيد الثمين. وكنت أتمنى أن يكون إخراج هذا المشهد المهم، بصورة أكثر إتقانا واحترافا، حتى تكون الرسالة أكثر قوة ووضوحا.لن ينسى هشام عشماوى أبدا تلك الليلة، ستظل تطارده تلك اللحظات طويلا، والمؤكد أكثر أن هذا المشهد سوف يطارد كل قادة الإرهاب ليس فى مصر فقط، ولكن فى كل المنطقة، وبالتالى نسأل السؤال التالى: هل سيتوقف الإرهاب بعد سقوط عشماوى، أم أن الأمر أكبر كثيرا من عشماوى وغيره، ممن يظنون أنهم قادة، ولا يدركون أنهم مجرد تروس أو أدوات فى يد دول وأجهزة استخبارات إقليمية ودولية؟!نقلًا عن الشروق القاهريةالمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك