بقلم - عماد الدين حسين
ما هو الفارق بين الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، وغيره من قادة أوروبا والعالم المتقدم فيما يخص الحديث عن مصر وأوضاعها؟!
من حق الاتحاد الأوروبى أن يعظنا فى قضايا الحريات وحقوق الإنسان أيضا، لأن له معايير وقيما وقواعد ثابتة فيما يتعلق بهذا الأمر، حتى لو كان يطبقها أحيانا بصورة براجماتية خدمة لأهدافه ومصالحه، كما يفعل كل العالم تقريبا.
وظنى الشخصى مثلا أن الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون يحق له ــ نظريا على الأقل ــ أن يتحدث عن حقوق الإنسان، كما فعل خلال المؤتمر الصحفى الشهير قبل اسابيع بالقاهرة.
ماكرون يؤمن فعلا بحقوق الإنسان، وحكومته، تنفذ ذلك على أرض الواقع، وتسمح بالتظاهر والاحتجاج ضد سياساتها، وافرجت عن غالبية المحتجين من اصحاب «السترات الصفراء»، ما لم يكونوا قد خالفوا القانون. يحق أيضا لقادة ومسئولى الدول الإسكندنافية أن يعطونا دروسا فى الديمقراطية، لأنهم يمارسونها فعلا، وليس قولا فقط.
ويحق لقادة الولايات المتحدة، والكونجرس، أن يصدعوا أدمغتنا كل فترة بكل ما يتعلق بالحريات، لانهم يفعلون ذلك فى بلدهم وضد رئيسهم. وحتى لو كنا ندرك أن هذه الدعوات تستخدم احيانا كشماعات لتحقيق مصالحهم السياسية. هم يعطونا دروسا فى حقوق الانسان والحريات، لأنهم يقدمون لنا مساعدات سنوية، وبالتالى، حينما نكون قادرين على الاستغناء عن معونتهم، يمكننا أن نقول لهم «لا نريد مواعظكم» كما تفعل الصين مثلا!
نتفهم ايضا قيام بلدان كثيرة فى العالم، بالمطالبة بوقف عقوبة الإعدام، لأنهم أوقفوها فعلا فى بلدانهم. ونتفهم المطالبات المستمرة لمنظمات حقوقية عالمية فى هذا الشأن، لأن هذا الأمر فى صلب مبادئها وقواعدها الحاكمة، وحتى لو كان لبعض هذه المنظمات مواقف يصعب تفسيرها فى بعض الاحيان!
أتفهم كل ما سبق جزئيا أو شاملا، لكن لا أستطيع أن أفهم أو أتصور أن يخرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ليعظ مصر وحكومتها ورئيسها بشأن حقوق الإنسان والحريات وتطبيق احكام الاعدام.
باختصار شديد أردوغان هو آخر شخص فى العالم، يمكن أن يلعب هذا الدور!!
هل معنى ذلك أن حقوق الإنسان والحريات فى مصر جيدة أو فى أفضل أحوالها؟!
الإجابة هى لا قاطعة. بل نحن نعانى فعلا من تراجع خطير فى الحريات وحقوق الإنسان، ومن ينكر ذلك أعمى أو أعمى!
لكن السبب ببساطة هو أن أردوغان هو المنتهك الأكبر للحريات وحقوق الإنسان بكل مستوياتها فى العالم أجمع، وقبل فترة عدل الدستور ليمنح نفسه صلاحيات شبه مطلقة.
صباح الأحد الماضى، قال أردوغان إنه لن يقابل الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلا إذا اصدر عفوا تاما عن كل المعتقلين وأطلق سراحهم وأوقف عقوبة الإعدام!
حسنا، إذا كان كلام أردوغان جادا فعلا، فماذا يفعل هو فى تركيا، ولماذا لا يطبق نفس المعيار على نفسه وعلى حكومته ونظامه؟!
ما فعله أردوغان فى تركيا خلال السنوات الماضية، خصوصا بعد إحباط ما سمى بالانقلاب ضده فى منتصف يوليو ٢٠١٥، ليس مسبوقا فى هذه الدولة، وربما فى المنطقة. هو انقلب على حليفه ومعلمه وصديقه فتح الله جولن، واتهمه بأنه خطط للانقلاب ضده. بعدها اعتقل وشرد وفصل مئات الآلاف من ضباط الجيش والشرطة والقضاء والمحامين والصحفيين والنشطاء والمعلمين، بتهمة ثابتة لا تتغير هى الولاء لمنظمة «الخدمة» وزعيمها جولن المقيم حاليا فى بنسلفانيا بالولايات المتحدة.
العدد الأكبر من الصحفيين المعتقلين فى العالم موجود فى تركيا، وتم ايقاف غالبية الصحف المعارضة لأردوغان، وكل من يعارضه يجد نفسه مسجونا أو مطرودا أو مفصولا من عمله.
الغريب أن أردوغان يحاول جاهدا هذه الايام اعادة عقوبة الاعدام، ولا يمنعه ان يفعل ذلك بسرعة الا تنمر الاتحاد الاوروبى له، وتهديده بعقوبات شديدة اذا اعاد العقوبة!!
مرة أخرى، أتفهم وأحترم كل من يطالب باحترام حقوق الإنسان والحريات فى مصر لكل الناس فى اطار القانون، وأشاركه فى هذا المطلب من دون تردد، لكن أن يفعلها أردوغان فهو أمر يثير الضحك والسخرية إلى أبعد حد ممكن، لأنه من البديهى أن «فاقد الشىء لا يعطيه»!
كلام اردوغان بالامس يكشف اما انه صار إخوانيا اكثر من بعض الإخوان انفسهم، او ان 30 يونيه قد دمرت كل احلامه سواء كانت قومية تورانية أو إخوانية اسلامية!!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك