بقلم - عماد الدين حسين
أتمنى أن يتخذ المجلس الأعلى للإعلام قرارا شجاعا، بعد أن يتشاور مع الحكومة وأجهزتها المختلفة، ويسحب لائحة الجزاءات الخاصة بوسائل الإعلام المختلفة، او يعيد النظر فيها بصورة جادة لأن ضررها أكثر كثيرا من نفعها للحكومة.
قبل أيام اطلعت على مناقشات مجلس نقابة الصحفيين واقتراحاته بشأنها، وحينما يكون هذا هو رأى غالبية أعضاء مجلس النقابة، المؤيدين لوجهة نظر الحكومة، وحينما تأتى اقتراحاتهم وتعديلاتهم شبه ناسفة لغالبية بنود اللائحة، فعلى المجلس الأعلى أن يعيد النظر فيها.
أعرف أن الأمور ليست مثالية، وأن الهواجس والمخاوف الحكومية من الإعلام كثيرة، لكن من وجهة نظر مصلحية بحتة، فعلى الحكومة ألا تسعى بنفسها كى تخسر ما بقى من مصداقية لوسائل الإعلام.
النظرة الأولى على لائحة الجزاءات تعطى صلاحيات وسلطات هتلرية موسولينية صدامية داعشية للمجلس الأعلى للإعلام على وسائل الإعلام، بحيث يستطيع أن يغلقها فى أى لحظة، سواء بالغرامات المالية الكبيرة، أو التعطيل الادارى.
بعد قراءة هادئة أكثر من مرة للائحة وبنودها الثمانية عشر فإنها لن توجه ضربة قاتلة فقط للصحافة والإعلام، بل ستصيب فى طريقها الحكومة أيضا.
فى غالبية مواد اللائحة وعددها ١٨ مادة هناك عقوبات شبه متكررة، وهى التأنيب ولفت النظر ثم الإنذار والغرامة المالية التى تتراوح بين ربع مليون ونصف مليون جنيه، ومنع نشر أو بث أو حجب الوسيلة الصحفية أو الإعلامية سواء كانت الباب أو الصفحة أو الموقع الإلكترونى أو البرنامج أو الصحيفة أو القناة، لفترة محددة أو دائمة، ومنع ظهور الصحفيين والإعلاميين أو الضيوف.
تلك هى العقوبات والجزاءات المتكررة فى مواد اللائحة وأستطيع أن أقول بنفس راضية إنه حال تطبيق هذه المواد، فإنه سيتم إغلاق غالبية وسائل الإعلام ان آجلا أو عاجلا سواء بسبب الغرامات المالية أو المنع الإدارى. فهل هذا ما تريده الحكومة؟!
لو كان الأمر كذلك، فلتكن الامور واضحة وصريحة، لكن شرط أن تتحمل الحكومة عواقب تعطيل وإغلاق غالبية وسائل الإعلام. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، فعلينا أن نتناقش ونبصر الحكومة والمجلس الأعلى للإعلام بالعواقب الوخيمة.
سيسأل سائل: وهل كلام حضرتك يعنى إعطاء رخصة للصحفيين والإعلاميين بالسب والشتم والخوض فى الأعراض؟!
الإجابة هى لا قاطعة، والسبب أن هناك ترسانة من قوانين العقوبات تحاسب الصحفيين على أى هفوة، بل وهناك عقوبات سالبة للحرية منها الحبس فى أكثر من موقع، رغم تعهد كل الحكومات منذ أكثر من عشرين عاما بإلغائها.
شخصيا لا أعارض أى تشديد لأى عقوبة طالما أنها كانت محددة وواضحة ومنطقية أو ليست موجودة فى القوانين الحالية، وأيدت فى مقال الأمس بعض مواد اللائحة، لكن المشكلة هى أن غالبية المواد مصاغة بطريقة مطاطة، تجعل المجلس الأعلى قادرا على إغلاق أى وسيلة إعلامية فى أى لحظة، حتى لو كانت المخالفة شديدة التفاهة!
ثم إن ما يمكن وصفه بالإعلام المعارض لم يعد موجودا فى مصر الآن، لأسباب يطول شرحها، وبالتالى فالسؤال الموجه لمن يقف وراء هذه اللائحة هو الآتى:
ألم يخطر فى بالكم أن تطبيقها سينسف ما بقى من مصداقية قليلة لوسائل الإعلام الموجودة على الساحة؟!
وإذا تم تطبيق اللائحة، وهبط توزيع ومشاهدة وسائل الإعلام، فكيف ستصل وجهة نظر الحكومة إلى الناس؟!
ظنى الشخصى ــ وأرجو أن أكون مخطئا ــ أن تطبيق هذه اللائحة هو أفضل هدية تقدمها الحكومة إلى وسائل الإعلام الإخوانية التى تبث من الخارج، والتى صار مجال عملها الأساسى هو اللعب فقط على أخطاء الحكومة حتى لو كانت صغيرة، وعدم وجود أى هامش للحريات فى معظم اعلام الداخل!
ألم يفكر واضعو اللائحة فى تأثير هذه اللائحة مثلا على انتخابات نقابة الصحفيين المفترض أن تجرى فى مارس المقبل؟!
لو كنت مكان الحكومة لعملت على زيادة هامش الحرية لوسائل الإعلام، حتى تتمكن من استعادة القراء والمشاهدين الذين هجروها، بدلا من العكس.
أتمنى أن يعيد الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد وبقية الزملاء والأساتذة فى المجلس الأعلى للإعلام النظر فى اللائحة، وأن يقنعوا الحكومة بأن ضررها أكثر من نفعها. أما إذا كان هناك إصرار عليها، فالمفترض أن تأخذوا بملاحظات وتعديلات نقابة الصحفيين وتحذفوا كل المواد والبنود المطاطة منها.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك