بقلم - عماد الدين حسين
مساء الثلاثاء الماضى، شاهدت العرض الخاص لفيلم «الضيف»، من تأليف الكاتب الكبير إبراهيم عيسى وإخراج هادى الباجورى، وإنتاج شركة «آى بروكتيشين» وبطولة خالد الصاوى وشيرين رضا وأحمد مالك وجميلة عوض.
الفيلم يحكى عن الصراع التاريخى بين المفكر المستنير والإرهابى المتحجر، وهى القضية المحورية فى كتابات وأعمال إبراهيم عيسى منذ زمن طويل سواء فى كتبه أو رواياته، التى تحول بعضها لأعمال سينمائية ومنها «مولانا» الذى أنتج فى العام قبل الماضى.
من المشهد الأول أدركت أن الفيلم يدور عن جزء من حياة إبراهيم عيسى، نفسه وقضيته الجوهرية ضد التطرف. أعرف عيسى منذ تزاملنا فى كلية إعلام القاهرة، عام 1938. كنت أسبقه بعام، وعشنا سويا لبعض الوقت فى غرفة واحدة بمبنى ١١ بالمدينة الجامعية المواجهة لجامعة القاهرة فى بين السرايات، بل وشاركنا فى العمل السياسى معا لسنوات.
لبعض الوقت ظننت أن الفيلم ربما يلمح لشخصية الراحل فرج فودة، أو للمفكرين الذين تصدوا للمتطرفين فكريا بصفة عامة. لكن روح وتفاصيل وسطوة شخصية إبراهيم عيسى كانت طاغية ومهيمنة بشكل كامل على أداء خالد الصاوى.
هذا الممثل الجبار الصاوى أجاد تشخيص إبراهيم عيسى ودور المفكر، من أول ملابسه، التى يحرص عليها عيسى دائما، ربما باستثناء «الحمالات»، نهاية بطريقته الساخرة والمتهكمة، وولعه الخاص بكرة القدم خصوصا الدورى الإسبانى، وتشجيعه للزمالك، الذى لم يظهر فى الفيلم، هذه المرة!.
تكتيك الفيلم مختلف وصعب إلى حد كبير. ٩٧٪ من مشاهد الفيلم تدور داخل غرفتين فقط بفيلا المفكر، ولأبطال الفيلم الأربعة، المفكر وزوجته «شيرين رضا» وابنته «جميلة عوض» والضيف الذى جاء يخطبها «أحمد مالك»، ونكتشف فى منتصف الفيلم أنه إرهابى جاء ليقتل المفكر.
مالك الملتزم دينيا أوهم ابنة المفكر بأنه يحبها، فصدقته ودعته لمقابلة أسرتها لكى يخطبها، يدور حوار مطول بين الشاب والأب حول أفكار الكاتب، التى يراها الخطيب أنها ضد الإسلام، ويصدم الأب والأم بشدة، حينما يخبرهما الخطيب أنه أقنع ابنتهما بالحجاب، ثم تبدأ الأسرة تدرك شيئا فشيئا مدى تطرف الخطيب. وفى لحظة درامية ينتهى النقاش بإخراج الخطيب لمسدس أحضره داخل برواز كهدية كبيرة مكتوب عليها «قم فأنذر»، ويأخذ الأسرة كلها رهينة. ويطلب من المفكر أن يسجل بصوته خطبة قصيرة يعلن فيها تراجعه عن كل أفكاره وتوبته ثم يطلق النار على نفسه، إذا أراد منه إطلاق سراح الأم والابنة.
فى هذا المشهد الطويل، الذى يكسر حدة المناقشات الفكرية التى قد تبدو معقدة للمشاهد العادى، نتعرف على الوجه الأكثر بشاعة لهذا الإرهابى المتعلم فى أمريكا، ويرتدى ملابس مودرن، لكن عقله ينتمى لعصور ما قبل التاريخ. الفتاة تصاب بصدمة كبيرة، لأنها اكتشفت أنها كانت تحب وتثق فى وحش وليس إنسانا، الأم التى نعرف أنها ما تزال على ديانتها المسيحية، تتلقى خبر إصابتها بالسرطان أثناء زيارة هذا الإرهابى، وهى إشارات رمزية شديدة الوضوح فى الفيلم.
بطبيعة الحال فالفيلم مناسب أكثر للمثقفين والمهتمين بقضية التطرف الدينى، وقد أجاد الفيلم عرضها، من أول الحجاب والخلافة والبخارى والسنة النبوية مرورا بالعلاقة مع المسيحيين، نهاية بدور الأديان وعلاقتها بالبشر!.
السؤال الذى سأله كثيرون بعد الفيلم: هل يذهب المتفرج العادى إلى السينما لمشاهدة الفيلم، ولنفترض أنه ذهب، ولم يكن يعرف بالموضوع، فهل سينصح أقاربه وأصدقاءه بالذهاب لمشاهدته أم لا؟!.
البعض قال لا، هو فيلم خاص بالنخبة فقط. لكن رأيا ثانيا يرى أن صناع الفيلم كانوا واعين جدا لهذه النقطة، ولذلك حاولوا جعل النقاش، فى هذه القضايا الجدلية «المجعلصة» أكثر تقبلا، بأداء خالد الصاوى القادر على خلط الجد بالدعابة، أو تسخير لقاء لريال مدريد وبرشلونة، للتخفيف من جرعة الجدية الزائدة، ورأى ثالث يعتقد أن الفيلم سوف يعيش طويلا، خصوصا إذا ارتفع الوعى لدى الناس، وبدأوا يدركون خطورة التطرف الدينى على مستقبلهم، ومستقبل الأجيال المقبلة، بل خطره على صورة الإسلام نفسه.
قد يتهم البعض الفيلم بأنه مباشر جدا، لكن البعض يقول إن هناك أوقات نحتاج فيها إلى المباشرة السافرة، حتى تصل الرسالة إلى المشاهد بسهولة.
شخصيا استمعت بالفيلم، ولم أشعر بالملل لثانية واحدة.
الفيلم شهد حضورا مميزا وكثيفا، ومن بين الحاضرين كان كل من عمرو موسى وبهاء زياد الدين ومحمد أبوالغار وشريف المعلم وعمرو خفاجى ومحمود مسلم وخالد منتصر ولميس الحديدى والعميد محمد سمير وإيمان أبوطالب ونجاد البرعى.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك