لا أدرى كيف سيحتفل حزب الوفد فى العام المقبل بمرور مائة عام على ميلاده كأكبر حشد وطنى شهدته مصر فى عصرها الحديث.. إن الوفد كان دائما قلعة من قلاع الحرية على ضفاف نيلها الخالد وهو الآن يشهد عملية أحياء نرجو أن تكتمل برئاسة المستشار بهاء أبو شقة رئيس الحزب الجديد بعد أن مرت عليه قيادات كثيرة كل واحد أدى دوره حسب إمكاناته والظروف التى ظهر فيها ابتداء بالدكتور نعمان جمعة ومحمود أباظة ود.السيد البدوى ومنير فخرى عبد النور وفؤاد بداروى واحمد عز العرب ود.السقا ود. الوكيل ولا شك أن الوفد الحزب والقيادة والجماهير يشهد الآن مرحلة جديدة فى ظل واقع سياسى جديد..
> كلنا يحمل للوفد مشاعر ولاء وعرفان منذ رفع راية الوطنية المصرية منذ مائة عام على يد واحد من أكبر رموز العمل الوطنى فى تاريخ مصر الحديث وهو الزعيم سعد زغلول.. لم تكن معارك الوفد معارك سياسية بل كان دوره الوطنى فى تحرير الإرادة المصرية والوقوف فى وجه الاستعمار ووضع أسس مجتمع جديد شهد تحولات ضخمة فى العمل السياسى من خلال دستور 23 وهو من أعظم وأكمل دساتير مصر وتحرير المرأة والتعليم وإنشاء اكبر المؤسسات الثقافية التى شهدتها مصر وفى مقدمتها جامعة القاهرة .. لم يكن الوفد مدرسة سياسية فقط تخرجت منها أجيال من الساسة الكبار ولكنه كان أكبر مدارس الوطنية فى عصرها الحديث..
> إن معظم الرموز الوطنية فى حياة المصريين خرجت من حزب الوفد ابتداء بالزعيم سعد زغلول والنحاس باشا وفؤاد باشا سراج الدين ومكرم عبيد وبقية رواد العمل الوطنى الذين وضعوا مصر على خريطة العالم الحر فى فترة من أزهى فترات المد الثقافى المصرى ما بين عشرينيات القرن الماضى وقيام ثورة يوليو فى مطلع الخمسينيات .. إن الشىء المؤكد أن عبق حزب الوفد مازال يعيش فى وجدان المصريين رغم كل الظروف التى عبرت عليه من التجاهل والتهميش والاختفاء القصرى..
> لقد تعرض حزب الوفد لعمليات طمس وتشويه كثيرة على المستوى السياسى والوطنى والفكرى والثقافى ويكفى أن رموزه غابت تماما عن مناهج التعليم فى كل مراحله فترات طويلة بل إن البعض منها تشوه بصورة مقصودة فلم نسمع إلا القليل عن زعيم الوفد سعد زغلول ودفن جثمان النحاس باشا سراً حتى لا يشارك احد فى جنازته وبقى الباشا فؤاد سراج الدين محاصراً حتى أفرج الرئيس الراحل أنور السادات عن حزب الوفد فى عام 1978 فى ظل تجربة حزبية جديدة حمل الوفد فيها أسمه الجديد وهو حزب الوفد الجديد..
فى هذه الليلة كنت فى الديسك المركزى فى الأهرام وجاءنا خبر على وكالات الأنباء أن مليون مواطن انضموا إلى حزب الوفد الجديد فى يوم واحد ولم أتردد فى أن أضع الخبر ببنط كبير فى الصفحة الأولى للأهرام وفى اليوم التالى وفى اجتماع الأستاذ الراحل على حمدى الجمال مع مجلس التحرير سأل من كان سهرانا بالأمس فى الدسك المركزى فقلت أنا فقال كيف يا أستاذ تأخذ خبر حزب الوفد بهذه الصورة وتصورت انه يعاتبنى لأن الخبر كان يستحق مساحة اكبر فقلت الصفحة الأولى كانت مزدحمة كنت أريد أن أخذه على مساحة أكبر .. وثار الأستاذ على الجمال وقال هذا الخبر أخذته الإذاعة البريطانية كخبر أول طوال نشراتها وطلبنى الرئيس السادات وهو يسأل كيف ينشر الأهرام خبرا كهذا.. وهل يعقل أن مليون مواطن انضموا للوفد الجديد فى أول يوم من فتح أبواب العضوية فيه..
> كانت عودة الوفد الجديد حدثا كبيرا يومها مع عودة ظهور فؤاد سراج الدين باشا وظهور صحيفة الوفد وعلى رأسها صحفى قدير هو الأستاذ مصطفى شردى الذى أشعل الحياة السياسية فى مصر من خلال صحافة جادة وفكر مستنير.. عاد الوفد يحلق فى سماء مصر مرة أخرى ودخل فى معارك مع الأحزاب الحكومية الأخرى وكانت أكبر معاركه مع جماعة الإخوان المسلمين التى استغلت الفراغ السياسى فى الشارع المصرى وعادت إلى برامجها القديمة فى تضليل الملايين .. فى تقديرى أن حزب الوفد اخطأ فى هذا الوقت فى صفقاته مع الجماعة المحظورة فى انتخابات مجلس الشعب وإن بقى حزب الوفد القوة الوحيدة القادرة على مواجهة الأخوان المسلمين ولو أن الدولة فى ذلك الوقت فتحت الأبواب أمام الوفد لكان قادرا على ضرب كل مخططات الإخوان المسلمين فى جمع حشودها فى الشارع المصري..
> لم يكن الحماس كبيراً لدى الدولة فى ذلك الوقت لعودة حزب الوفد الجديد إلى الساحة السياسية مرة أخرى رغم أن قيادات الوفد على رأسها فؤاد سراج الدين كانت تحمل تقديرا لسياسات الرئيس الراحل أنور السادات ولكن مشاغبات الأحزاب الأخرى ومراكز القوى وجماعة الإخوان المسلمين كانت عبئا على قرارات الرئيس الراحل حتى أنه فى نهاية المطاف قرر سجن المئات من رموز مصر كان فى مقدمتهم فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد وأحد الرموز الوطنية فى تاريخ مصر الحديث..
> إن الشىء المؤكد أن الدولة بأحزابها الجديدة كانت لا ترتاح كثيرا لعودة الوفد إلى الساحة المصرية ولكنه لم يكن أكثر من ديكور يزين الواجهة ولهذا سرعان ما انهارت التجربة الحزبية كلها مع رحيل الرئيس الراحل أنور السادات والسيطرة الكاملة للحزب الوطنى والإخوان المسلمين على الواقع السياسى المصرى وهنا غاب دور الوفد الذى حلم به المصريون كثيرا..
> فى تقديرى أن الفكر الوحيد القادر على مواجهة التطرف الإخوانى هو حزب الوفد فهو حزب ليبرالى يؤمن بالحريات والحوار وله قواعد شعبية فى كل ربوع مصر كما أن تجربته الحزبية فى الشارع قبل ثورة يوليو تمثل رصيدا كبيرا فى تاريخه وفى تاريخ مصر الحديث..
> نحن الآن أمام مرحلة جديدة من مراحل نضال حزب الوفد من اجل الحرية خاصة أن للحزب برامج إصلاحية كثيرة عبر تاريخه فى مجالات كثيرة كالتعليم والأمية والاقتصاد والتنمية وهو حزب تحكمه ثوابت وطنية لم تتغير..
> نحن أمام قيادة جديدة للوفد وهو مستشار ورجل قانون من طراز رفيع وهو المستشار بهاء أبو شقة وهو رجل مخضرم صاحب تجربة ثرية ويحاول الآن أن يعيد للوفد وحدته بعد فترات انشقاق طالت منذ عشرات السنين إن عودة وحدة صفوف الوفد ستكون أكبر إنجاز يحققه رئيسه الجديد وعلى الوفد أن يطوى صراعاته القديمة لكى تصفو النفوس ويعود الولاء والحب للحزب العريق..
> على جانب آخر فإن المناخ السياسى فى مصر الآن يحتاج إلى دور وتجربة حزب الوفد إن الأحزاب الجديدة داخل قبة البرلمان لم تتبلور بعد ولم تتضح أمام الناس أفكارها وبرامجها وحين يظهر الوفد فى الصورة سوف يكون هناك شارع سياسى أخر..
> إن جماعة الإخوان المسلمين وهى على خلاف تاريخى مع الوفد القديم والحديث مازالت حتى الآن تسعى إلى استقطاب أجيال جديدة وحين يطرح الوفد فكره الحقيقى فى الحريات والوسطية والتنمية والفكر والثقافة فلن تكون هناك فرصة للإخوان لتشويه عقول الناس مرة أخري..
> لا شك أن لغة الوفد فى الحوار والخطاب والثوابت يمكن أن تسمع لها حشود كبيرة من شباب مصر خاصة فى ظل فراغ سياسى رهيب يملأ عقول الشباب بعد ثورتين وخلع رئيسين وتغييرات حادة فى الشخصية المصرية على كل المستويات وهنا يستطيع الوفد أن يعيد إحياء الحياة الحزبية فى مصر مرة أخرى فى إطار منظومة جديدة لها ثوابتها التاريخية والوطنية..
> مازال حزب الوفد يحفظ أجياله القديمة التى نشأت على فكره وتقاليده ورغم كل ما شهده الحزب من الصراعات فإن ولاء رموزه القديمة يمثل رصيدا لأى محاولات لتطوير الحزب والنهوض به دورا ومسئولية ومشاركة ..إن حزب الوفد فى حاجة إلى أن يجمع حشوده مره أخرى ويستعد لأن يكون صاحب دور أكبر فى المستقبل..
> هناك برامج وخطط ومشروعات كثيرة تقوم بها الدولة الآن ومن حق حزب الوفد أن يُبدى آراءه فى كل ما يدور حوله سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكرى خاصة أن للحزب علاقات طيبة مع سلطة القرار وهى حريصة على بقاء دور الحزب وتطويره فى ظل منظومة سياسية جديدة..
> اننى أرجو أن نشهد ميلاد وفد جديد لشبابه ورموزه وقدراته وثوابته وتقاليده نحن أمام حزب سياسى من أعرق أحزاب مصر تاريخا ودوراً وهو الآن يشهد مرحلة بناء جديدة سوف يتوجها باحتفالية تليق به فى العام المقبل وهو يكمل مائة عام من التضحيات والنضال .. يجب أن تكون ذكرى ميلاد الوفد احتفالية لكل المصريين فلم يكن حزبا سياسيا فقط ولكنه مازال وسيبقى من مدارس الوطنية المصرية العريقة..
ويبقى الشعر
وعَلمتـَنـَا العِشْقَ قبلَ الأوَانْ
فـَلمَّا كـَبـِرْنـَا .. ودَارَ الزَّمانْ
تبرَّأتَ منـَّا .. وأصبَحْتَ تنـْسي
فـَلم نـَرَ فِى العشْق غير الهَوانْ
عَشِقـْناك يا نيلُ عمرًا جميلا
عَشِقـْناك خَوْفـًا .. وَليْلا ًطويلا
وهَبْنـَاكَ يَومًا قلوبًا بَريئـَهْ
فـَهلْ كانَ عِشْقــُكَ بعضَ الخَطِيئهْ ؟!
طـُيوركَ ماتتْ ..
ولم يبقَ شيءٌ على شاِطـئيـكَ
سِوَى الصَّمتِ .. والخوفِ .. والذكرياتْ
أسِافرُ عنكَ فأغُدو طـَلِيقا ..
ويسقط ُ قيْدِي
وأرجعُ فِيكَ أرَى العُمرَ قبرًا
ويصْبحُ صَوْتِى بقايَا رُفاتْ
طيوركَ ماتـَتْ ..
ولم يبقَ فِى العشِّ غيرُ الضحَّايا
رمادٌ منَ الصُّبح .. بعضُ الصِّغارْ
جَمعتَ الخفافِيشَ فِى شَاطِئيـْـكَ
وماتَ علـى العين ِ.. ضوءُ النـَّهارْ
ظلامٌ طويلٌ على ضِفتيكَ
وكلُّ مياهكَ صارتْ دماءْ
فكيفَ سَنشَربُ منكَ الدِّماءْ ..؟
تـُرى مَنْ نعاتبُ يا نيلُ ؟ قـُلْ لِى ..
نعاتب فيكَ زمانـًا حزينـًا ..
منحناهُ عمرًا .. ولمْ يُعطِ شيئـًا..
وهل ينجبُ الحزنُ غير الضياعْ
تـُرى هل نعاتب حلمًا طريدًا .؟
تحطم بين صخور المحال ِ..
وأصبح حلما ذبيح الشراعْ
تـُرى هل نعاتبُ صبحًا بريئـًا ..
تشردَ بين دروبِ الحياة ِ
وأصبحَ صبحًا لقيط َ الشعاعْ ؟
تـُرى هل نعاتبُ وجهًا قديمًا
توارى مع القهر خِلف الظلام ِ
فأصبح سيفـًا كسيحَ الذراعْ ؟
تـُرى من نعاتب يا نيل ؟ قـُلْ لِى ..
ولم يَبق فى العمر الا القليلْ
حملناك فى العْين حباتِ ضوءٍ
وبين الضلوع ِ مواويلَ عشق..
وأطيارَ صبح تناجى الأصيلْ
فإن ضاعَ وجهيَ بين الزحام ِ
وبعثرتُ عمرى فى كل ِ أرض.
وصرت ُ مشاعًا .. فأنتَ الدليلْ
تـُرى مَنْ نعاتبُ يا نيلُ ؟ .. قـُلْ لِى ..
وما عادَ فِى العمْر وقت ٌ
لنعشَقَ غيرَكَ .. أنت َالرَّجاءْ
أنعشَقٌ غيرَكْ ..؟
وكيف ؟.. وعشقـُكَ فينـا دِماءْ
تروحُ وتغـُدو بـِغير انتهاءْ
أصبحتَ تحيَا أأسافرُ عَنـْكَ
فألمحُ وجْهَكَ فِى كلِّ شيءٍ
فيغدُو الفناراتِ .. يغدُو المطاراتِ
يغدُو المقاهِى ..
يسدُّ أمامِيَ كلَّ الطـُّرق
وأرجعُ يا نيلُ كيْ أحْترقْ
وأهربُ حينـًا
فأصبحُ فى الأرض ِطيفـًا هزيلا
وأصرخ فى النـَّاس .. أجْرى إليهم
وأرفـَعُ رأسِى لأبدُو مَعَكْ
فأصْبحُ شيئـًا كبيرًا .. كبيرًا
طويناكَ يا نيلُ بينَ القـُلوب
وفينـَا تـَعِيشُ .. ولا نـَسْمُعُكْ
تمزِّقُ فينـَا ..
وتدركُ أنك أشعَـلـْتَ نارًا
وأنك تحرق فى أضلـُعِكْ
تعربدُ فينا ..
وتدْركُ أن دمَانـا تسيلُ ..
وليسَتْ دِمَانا سِوى أدمُعِكْ
تركتَ الخفافيشَ يا نيلُ تلـْهُو
وتعْبثُ كالموتِ فى مَضجَعِكْ
وأصبحتَ تحيَا بصمت ِ القبور
وصوتِى تكسَّر فِى مسمَعِكْ
لقـْد غبتَ عنـَّا زمانـَّا طويلا ً
فقـُلْ لى بربك منْ يرجعُكْ؟
فعشـُكَ ذنبٌ .. وهجرُك ذنبٌ
أسافرُ عنكَ .. وقلـْبى مَعَكْ
"قصيدة أسافر منك..وقلبى معك سنة 1986
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك