بقلم-سليمان جودة
كان العقاد يملك قدرة كبيرة على مناقشة الخصوم وإسقاط الحجج من أيديهم، حجة من وراء حجة، وقد بلغ فى هذا الاتجاه درجة هائلة من الثقة فى قدراته العقلية، وكان كثيراً ما يردد هذه العبارة: هات لى أى فكرة، وأنا أقنعك بها.. ثم أقنعك بعكسها!.والمعنى أن الفكرة أياً كانت تظل فى حاجة إلى فكرة فى مقابلها تناقشها وتبين وجوه الخلل فيها، خصوصاً إذا كانت من نوع الأفكار الفاسدة التى آمن بها تنظيم داعش، وراح يسعى إلى تسويقها بين أتباعه، وتزيينها فى عيون أنصاره!.ورغم أنها أفكار فاسدة فى مضمونها، ومخاصمة للعصر فى سياقها، وصادمة لكل عقل سليم فى كل أحوالها، إلا أنها استولت على عقول أنصار التنظيم وأتباعه، ولاتزال، وبشكل يدعو للحيرة فعلاً!.وكنت قد دعوت فى هذا المكان إلى أن تتولى دار الإفتاء إصدار كتاب يرد على كتاب «إدارة التوحش» الذى أصدره التنظيم الداعشى فى بدايات ظهوره، وجعله مرجعاً له فى جميع ممارساته المدمرة.. فالدار لديها مرصد ترد من خلاله على فتاوى التفكير أولاً بأول، وهو مرصد قطع شوطاً فى نطاق مهمته، ولكن كتاباً بهذا الاسم لا يجوز تجاهله رغم أنه غير مطبوع، ورغم أنه متاح فقط على شبكة النت.
إنه المنبع الذى يشرب منه المخدوعون بداعش، ولا بديل عن تجفيفه بأى طريقة!.وسوف تظل الشابة الداعشية شميمة بيجوم نموذجاً يجب تدريسه لكل الذين يريدون أن يروا مدى النفوذ الذى تمارسه أفكار داعش على أعداد لا بأس بها من الشباب حول العالم.. ومن وراء داعش بالطبع، تأتى كل التنظيمات المتطرفة فى الفكر وفى السلوك فى كل مكان!.
إن شميمة من أصل بنجلاديشى، ولكنها تحمل الجنسية البريطانية لأنها مولودة فى بريطانيا، وتعيش هذه الأيام فى مخيمات نزح إليها عناصر داعشيون شرق سوريا، تحت وطأة الضربات التى يتلقاها التنظيم وعناصره هناك فى كل صباح!.تعيش مع مولود لها عُمره أسبوع تقريباً، وعندما طلبت العودة إلى لندن بعد سنوات أربع قضتها مع الداعشيين فى الأراضى السورية، رفضت بلادها وسارعت إلى إسقاط الجنسية عنها، وأعلنت بنجلاديش أنها لن تسمح لها بدخول أراضيها، ومع ذلك فالداعشية شميمة تبدو متمسكة بأفكار داعش قدر تمسكها بمولودها، ولم تخرج عنها كلمة واحدة تُبدى فيها ندمها على الانضمام إلى التنظيم والإيمان بأفكاره!.بل إنها تبرر الهجوم الإرهابى الذى وقع فى مانشستر البريطانية عام ٢٠١٧، وأوقع ٢٢ قتيلاً، وتراه رداً على ضربات قامت بها قوات التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش فى مناطق وجوده!.شميمة ليست حالة فريدة من نوعها، فمثلها يوجد ١٥٠٠ امرأة شرق سوريا، والله وحده أعلم بالعدد الموجود من النوعية نفسها فى مناطق متفرقة حول العالم.. وإذا كان التنظيم يتهاوى فى مكانه، فالأهم أن تسقط أفكاره، لأن بقاءها فى عقول أصحابها كفيل بإحيائه من جديد فى نسخة مُعدّلة!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك