بقلم : سليمان جودة
كتبت في هذا المكان من قبل، أن آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، وضع خطة لزراعة عشرات الملايين من الأشجار في بلاده، وأنه بدأ زراعتها فعلًا، وأنه عبأ البلد كله في اتجاه تحقيق هذا الهدف!.
وعندما نقلت وكالات الأنباء هذا الخبر عن الحكومة الإثيوبية، تمنيت لو أن الوكالات نفسها نقلت خبرًا مماثلًا عن حكومتنا، لأننا أحوج الناس إلى زراعة شجرة في كل متر مربع، ولأن القاهرة والمحافظات تتغطى بالتراب كلما هاجمتها موجة جديدة من رياح الخماسين، ولأن من حق كل مواطن أن يتنفس هواءً نقيًا.. هذا حق أصيل يكفله الدستور وليس مجرد كلام!.
وعندما التقى رئيس الوزراء الإثيوبى مع الرئيس في موسكو قبل أيام، قال إنه عرض أن تشارك القاهرة في عملية التشجير واسعة النطاق التي تنفذها حكومته، وأن الرئيس رحب بالتعاون في الموضوع!.. وفى اللحظة نفسها التي كان الرئيس يتكلم فيها بهذه الروح المتعاونة مع آبى أحمد، كان بلدوزر وزارة الزراعة يزيح إحدى بوابات حديقة المتحف الزراعى من طريقه، وكان يقتحم الحديقة ويجرف أشجارًا فيها من جذورها!.
ڤيديوهات إزالة البوابة والأشجار موجودة، وهى لا تكذب لأنها تسجيل حى لجريمة وقعت وربما لا تزال تقع في حديقة المتحف في الدقى.. والجريمة ليست في حق سكان الدقى فقط، ولكنها في حق كل مواطن، لأن الهواء في النهاية يتنفسه الجميع، ولأن شجرة واحدة قادرة على التخفيف من عبء التلوث على الصحة العامة، فما بالنا بأشجار كثيرة جرى قطعها في الحديقة، بلا أدنى شعور بالذنب ولا حتى بالمسؤولية!.
والطريف أن تجريف حديقة المتحف كان يتم لإقامة معرض زهور الخريف، في التاسع من هذا الشهر، وكأننا «نقطع شجرة من أجل عرض زهرة»!!.. وهذا لا بد أنه شعار جديد يسمع به العالم لأول مرة، ويسجله حصريًا لوزارة الزراعة المصرية التي تنظم المعرض!.
والأشد طرافة أن المعرض يقع على بعد أمتار من مكتب وزير الزراعة، الذي تقع عليه مسؤولية حماية كل فرع في كل شجرة على امتداد البلد، إذا فاته أن يضيف المزيد من الأشجار في كل ركن من الأركان!.
إن وزير الزراعة يعرف أن كل شجرة في عواصم كثيرة حول العالم تحمل لوحة صغيرة، وأن اللوحة تحمل ما يشبه البطاقة الشخصية للشجرة، وأن أحدًا هناك لا يجرؤ على أن يمس ورقة في أي شجرة، إلا بإذن مُسبق من مسؤول الحى الذي يتبعه المكان!.. وقد رأيت هذا بعينى في روما قبل سنين!.
نحن أمام متحف للزهور يقوم على جثث الأشجار!!.. وهذا أمر لا يقبله ضمير حى، ولا بديل عن أن يكون محل حساب!.
أرسل تعليقك