شعرت بالفخر وأنا أتابع فعاليات المنتدى الإفريقى ـ الأوروبى فى فيينا، فقد لمست إعجاب القادة الأوروبيين والأفارقة بما حققته مصر خلال السنوات القليلة الماضية من طفرة فى البنية التحتية، والتى أوجزها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الخطوات السريعة نحو التحول الرقمى وتكنولوجيا المعلومات فهما البوابة الذهبية للتنمية المستدامة، والركيزة الأساسية لبناء اقتصاديات تنافسية، ومتنوعة، وإقامة مجتمعات حديثة داعمة للمعرفة والابتكار وجاذبة للاستثمارات، من خلال توفير فرص عمل استنادا إلى عوائد الابتكار والتجديد، وتحقيق طفرات على صعيد البنية التحتية الرقمية، وتوطين التكنولوجيا فى مختلف المحافظات المصرية، وذلك من خلال عدة مشروعات على رأسها مشروعات منصة تقديم وتبادل الخدمات الحكومية، وتطوير الإدارة المحلية بالأحياء والمدن، ونظام تسجيل المواليد والوفيات، إلى جانب تنفيذ عدد من المبادرات أهمها مبادرة المعامل الإلكترونية المتكاملة بالمناطق التكنولوجية، ومبادرة تصميم وتصنيع الإلكترونيات محليا، ورقمنة المحتوى الثقافى المصرى، فضلا عن خطة طموح للمدفوعات الرقمية لتحقيق قدر أعلى من الشمول المالى، وإنشاء الأكاديمية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات لذوى الاحتياجات الخاصة، لتمكين أبنائنا من ذوى الاحتياجات الخاصة لاستخدام الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وإتاحة الفرصة لهم لمواكبة التطورات الحديثة والمشاركة فيها، ليس هذا فحسب فقد أصبح لدينا مختلف مصادر الطاقة، والبنية التحتية الحديثة، وشبكة جديدة للطرق وموانٍ ومطارات ومدن جديدة، بأفضل المواصفات العالمية وتوافر بيئة تشريعية داعمة للاستثمار وعمالة ماهرة تمكنت من إنجاز كل تلك المشروعات بأياد مصرية.
وقد لاحظت خلال مباحثات الرئيس مع القادة الأوروبيين أنه ينطلق من المشكلات المشتركة وعلى رأسها الهجرة غير المشروعة، والإرهاب، وينطلق منها إلى إقناع القادة الأوروبيين بأن بوابة الخروج من تلك المشكلات هى التعاون المشترك، وعلاج بيت الداء وهو الفقر والبطالة فى بلداننا، وهو ما يتطلب أن تبذل البلدان الأوروبية جهودا ملموسة للإسهام فى علاج تلك المشكلات من المنبع، عبر ضخ الاستثمارات اللازمة لدفع عجلة التنمية فى بلداننا، فقد أصبحت كل دول العالم مثل الأوانى المستطرقة، فكل أزمة تنشب فى مكان لابد أن تظهر تداعياتها فى أماكن أخرى، وتدفق المهاجرين على أوروبا لا يمكن حله فى ظل تلك الفجوة الواسعة بين الشمال والجنوب، بين أوروبا الصناعية المرتفعة الدخل، والقارة الإفريقية التى يطحنها الفقر، وتدفع أثمان حقبة طويلة من الاستعمار، تلتها حقب من النزاعات والصراعات وتفشى الفقر والبطالة، بينما أرضها مليوءة بالخيرات وشعوبها فتية، ويمكن أن تبنى بلدانها وتستثمر خيراتها، وهو ما يتطلب مزيدًا من التعاون وتبادل الخبرات لكى تتمكن دول القارة السمراء من تخطى تلك العقبات المتراكمة، ومن مصلحة أوروبا والدول الفتية تقليص تلك الفجوة.
إن الرسالة التى يحملها الرئيس تؤكد عدة أمور أساسية، يمكن أن تشكل دستورا لحل المشكلات الدولية وتوجيه الطاقات نحو البناء بدلا من تدويرها فى الأزمات والصراعات، وعلى رأسها أن نقتنع بأننا جميعا فى قارب واحد، وأن أى عطب أو مشكلة فى دولة ما، سرعان ما ينتقل لغيرها، وإذا ما اجتمعت الإرادة الدولية على الحل الجماعى لتلك المشكلات الدولية، فسرعان ما يتحقق الازدهار والتقدم للجميع، فالعالم أصبح قرية واحدة وعلينا أن نتعايش ونتبادل الفوائد بدلا من اختلاق الأزمات، وعندئذ سوف تتراجع الأزمات.
وقد عبرت مصر عن طموحات وآمال القارة الإفريقية، والتى تمتلك الكثير من الثروات والطاقات البشرية ما يجعلها تقفز إلى مكان أفضل بين دول العالم، وإن كانت قد تعرضت للكثير من الظلم والمشكلات، وأدمتها الحروب والانقسامات، واستغلال ثرواتها لفترة طويلة، فإنها قادرة على تعويض ما فات من خلال التعاون وتبادل الخبرات، واستثمار الطاقات، التى تمتلئ بها دول القارة فى مقدمتها الطاقة البشرية التى تبلغ مليارا و200 مليون نسمة معظمهم من الشباب القادر على العطاء، ويحدوهم الأمل فى بناء بلدانهم بدلا من تدفقهم كلاجئين إلى دول أوروبا، وهو ما يتطلب وضع حد للنزاعات التى استنزفت دول القارة عقودا طويلة، ومن خلال الاستثمارات الأوروبية، والأيدى العاملة، والثروات الطبيعية الإفريقية يمكن أن تصنع إفريقيا نماذج مزدهرة تتبادل المنافع مع باقى دول العالم.
صورة إفريقيا الواعدة لها ما يبررها فقد حققت القارة الإفريقية معدلات نمو إيجابية على مدى السنوات العشر الماضية، وتمكن هذا الأداء الاقتصادى من الصمود رغم التقلبات الاقتصادية العالمية، إلا أنها لم تحقق المستهدف منه بعد، نظرا لصعوبة الأوضاع الاقتصادية فى العديد من بلدان القارة بسبب شروط التجارة والاستثمار الدولى غير المواتية، وتحديات الأمن والاستقرار، التى تحول دون ترجمة هذا النمو إلى تحسن ملموس فى حياة الأفراد، فضلا عن تزايد مخاطر النزاعات المسلحة والأنشطة الإرهابية والإجرامية العابرة للحدود واستمرار التدخلات الخارجية التى تؤثر على استقرار المجتمعات والدول وهو ما يحتاج من المجتمع الدولى أن تتضافر جهوده من أجل الحل الجماعى لتلك المشكلات.
عدت من النمسا وأنا على اقتناع بأن مصر تخطو بسرعة فى الطريق الصحيح، وتتقدم شيئا فشيئا لاحتلال المكانة التى تليق بها، وأن لدينا قيادة واعية ليس بمشكلات مصر فقط، بل بالمشكلات والقضايا الإقليمية والدولية المعقدة المتشابكة، وأن لديها رؤية لكيفية التعامل الجاد والفعال مع تلك المشكلات ومثلما كانت مصر سباقة فى رؤيتها لكيفية حل الأزمات فى كل من سوريا واليمن وليبيا واتضحت سلامة وبعد نظر الرؤية المصرية ولو استمعت إليها أطراف تلك الأزمات فى حينها لكنا قد تجنبنا الكثير من الآلام والخسائر، لكن علينا أن نمضى إلى الأمام وتعويض ما فات مادامت لدينا الإرادة والرؤية الصائبة فإننا قادرون بإذن الله على تحقيق الكثير والكثير من الإنجازات.
هيئة لتطوير التعليم الفنى
قفزت الصناعة فى العالم إلى جيل متطور للغاية يعتمد على الروبوتات والمعدات الهيدروليكية والكهروميكانيكية، وأشعة الليزر وغيرها، من التقنيات الحديثة التى يعمل بها فنيون على مستوى رفيع من التعليم الفنى بينما تجمد «معلمونا» عند حدود الحرف اليدوية والمدارس الفنية البدائية، وتقف عند حدود المفتاح الإنجليزى. لا يمكن أن ندخل عصر الصناعات الحديثة إلا بنقلة نوعية فى مدارسنا الفنية تتخطى تلك الفجوة الهائلة، وقبل توفير الكوادر الفنية يتحتم أن نعد جيلاً جديدًا من المعلمين، يجمعون بين مهارة ومعارف المهندسين وأساتذة الجامعات بالإضافة إلى هيكلة المدارس الفنية لتصبح صروحا تعليمية من الجيل الرابع.
ليس أمامنا وقت لنضيعه فى هذا الملف فالسباق على أشده بين دول العالم فى تطوير الصناعة، وهو تطور دخل الإنتاج الزراعى الذى لم يجر فيه استخدام الفأس والمنجل والشادوف، بل الرى بالتنقيط ومزج الأسمدة بمعايير تناسب كل نبات وتقلل الهدر، مع إدخال الميكنة الشاملة حيث تستطيع معدة واحدة القيام بالحصاد والفرز والتغليف والتعليب.
أمام هذا الواقع الصعب لتعليمنا الفنى وبالتالى قطاع الصناعة فقد جاء اهتمام الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن نشرع فورا فى إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوى فى التنمية بكل مفرداته ومراحله، وأن نضع فى اعتبارنا أن نحقق قفزة نوعية نعوض بها ما فاتنا لننتقل إلى جيل الصناعات فائقة الدقة والتقدم.
وإذا أردنا تحقيق ما أعلن عنه الرئيس السيسى فى المؤتمر السادس للشباب فى الإسكندرية والذى تضمن توصيات تتعلق بتطوير التعليم ورفع شأن المعلمين، ومن أهمها إنشاء هيئة لجودة برنامج التعليم الفنى تختص برفع مستوى المدارس الفنية بكل عناصرها، لتقديم مخرجات لا تقل عن التأهيل فى البلدان المتقدمة، وإذا أردنا أن نعرف مثلا التقدم الكبير فى الصناعات الألمانية علينا أن نرى مدارسها الفنية، فقد أولت ألمانيا تلك المدارس أهمية قصوى لإدراكها أن التقدم الصناعى لا يمكن أن يتحقق بدونها، إنها عوامل كثيرة أخرت منظومة التعليم فى مصر وكان نصيب التعليم الفنى فيها كبيرا بسبب النظرة الاجتماعية المتعالية على هذا النوع من التعليم.
المهم قررت متابعة خطوات إنشاء هذه الهيئة لأننى أدرك مدى أهميتها فى تحديث مصر، وهل سننقل برامج التعليم والتأهيل الحديثة ونستفيد بالخبرات العالمية؟، وهل سيكون لدينا طواقم معلمين بالمستوى القادر على تجاوز هذه الفجوة؟، وعندما تابعت اجتماعات لجنة التعليم بمجلس النواب انتابنى القلق، فقد وجدت أن المطروح هو إعادة إنتاج نفس النمط السائد، الذى أخرنا عقودا طويلة!، فقد وجدتهم يناقشون إنشاء هيئة تقتصر على اعتماد برامج ومؤسسات التعليم الفنى فقط، ورغم وجود هيئة مختصة باعتماد البرامج والمؤسسات تتبع مجلس الوزراء، وهى هيئة مستقلة عن الوزارة، وتحمل اسم الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بدأت مزاولة مهامها عام 2008، فما الفائدة أو الإضافة التى يمكن أن تحققها هيئة ستقوم بنفس المهام، أعتقد أننا لسنا فى حاجة إلى هيئة جديدة للاعتماد، وإنما لهيئة تتولى عملية التطوير والتأهيل تتولى بنفسها متابعة أحدث برامج التأهيل فى العالم وسبل نقلها والاستفادة منها.
أتمنى أن تعيد وزارة التعليم النظر فى هذه الخطوة، وأن تكون مهمة الهيئة الجديدة هى رفع مستوى أداء وتجهيز وتطوير مؤسسات التعليم الفنى من خلال معايشة واقعها ونقل الخبرات الدولية، لتنهض وتلحق بركب التعليم الفنى الحديث.
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك