آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

فى بيتنا خطر

اليمن اليوم-

فى بيتنا خطر

بقلم-عـــلاء ثابت

نطل من نوافذ التواصل الاجتماعى على عالم رحب وواسع ومتنوع وغني، تجد فيه أعدادا ضخمة من الصداقات القديمة والافتراضية، آلاف الأصدقاء بعد أن كانوا لا يزيدون على عشرات أصبح يمكن بسهولة أن تتعرف على أشخاص يقاسمونك نفس الاهتمامات والميول، ستجد من يتفقون معك فى الهوايات أو التوجهات السياسية أو أشخاصا من نفس المهنة، وبكبسة زر تتدفق معلومات لم يكن بالإمكان الحصول عليها وتتواصل مع أشخاص فى بلدان بعيدة وتطلع على مواقع وصحف لم يكن بالإمكان الحصول على نسخة ورقية منها، والأصدقاء والأقارب الذين يقيمون فى بلدان أخرى يمكن أن تتواصل معهم بالكلام والصوت والصورة فى نفس اللحظة، نعم لقد كسرت مواقع التواصل الاجتماعى حاجز المكان، وأصبح الكون على شاشة تجوبه بأصابعك، حقا إنها نقلة هائلة يمكن أن تفيد البشر، لكن المخاطر والآثار الجانبية لا تقل شأنا عن تلك الفوائد، ومنها أنها تأخذك بعيدا عن الواقع الملموس وتنأى بك عن أقرب المقربين.

يمكن أن تلحظ وأنت مع أسرتك أن كل فرد فى الأسرة لا يمكن أن يتوقف ولو لبضع دقائق عن النظر إلى شاشة الهاتف المحمول المرتبط بالإنترنت ومواقع التواصل، وإذا بالابن أو الابنة ينتحى جانبا مع عالم آخر سواء كان واقعيا أو افتراضيا، لقد انتهى التواصل الأسرى أو كاد، وإذا قارن أى منا الوقت الذى يقضيه مع أسرته بنظيره مع عوالم التواصل الاجتماعى سيتضح فورا أن العالم الواقعى يذوب وينهار، بل إن الأطفال والصبية أصيب معظمهم بداء إدمان التواصل عبر الشاشات الرقمية حيث الألعاب المسلية، ويقضى الشاب وكثير من الرجال ساعات طويلة أمام تلك الألعاب يتبارون فيها مع أشخاص غرباء ربما يبعدون آلاف الكيلومترات وبالتأكيد الجميع يشكو من أن أبناءه لا يخصصون لمذاكرة دروسهم إلا القليل جدا من الوقت، بينما الألعاب ومقاطع الفيديو وغيرها من أنواع التسلية المصورة تجذب الأبناء وكأنها، النداهة التى تأخذهم بهدوء إلى عوالم مجهولة ومشوقة، ومن الصعب علاج الابن المدمن لألعاب الإنترنت أو متابعة المسابقات أو الاطلاع على عوالم الإثارة بمختلف أنواعها، وغالبا يندم كل منا أنه اشترى لأبنائه تلك الهواتف المحمولة سواء كانت باهظة الثمن أو فى المتناول، وكلها تكفى لأخذه من أسرته، لتعوده مواقع التواصل الاجتماعى على إيقاع أحداث سريع يجعله دائما على عجلة من أمره، ويشعر بالملل لو جلس يقرأ صفحة واحدة فى كتابه المدرسي، ولا نقول قراءة الكتب العلمية والروايات والأدب والشعر التى تنمى الثقافة وتمنح خياله مساحة أوسع من الشاشة الرقمية، لم يعد للخيال مكان فى أدمغة أبنائنا وإخواننا، ونحن أيضا تقلصت مساحة الخيال لدينا حتى أصبحت من الخيال.

الأضرار الاجتماعية كبيرة جدا وخطيرة لا تقتصر على المواقع الإباحية التى أصبحت ميسرة ومليئة بكل ما هو شاذ وغير طبيعى حتى أن العالم الواقعى لم يعد يجاريه، وهنا سيحدث تغيير فى الأذواق والمعايير ومنظومة القيم والأخلاق فقد أصبح كل شيء مباحا ومتاحا.

لا يتسع وقتى لملاحقة ما يدور فى مواقع التواصل من مخاطر تصل إلى حد لا يمكن أن تتخيله, فهناك عصابات متخصصة فى النصب تعرف كيف تتسلل إلى بيتك وما يغرى أبناءك الصغار وما ينقص الشيخ المسن، ويوهمون كل شخص أنهم سيلبون احتياجاته حتى إذا وقع فى أيديهم أصبح فريسة، وهناك من ينصبون ويخدعون وهناك من يبتزون، لنكون قد أحضرنا العصابات إلى بيوتنا بكل ترحاب، وقدمنا أنفسنا وأسرنا ضحايا لهم.

سمعت قصصا كثيرة من الضحايا وإن كان أغلبهم لا يحكون ولا يعترفون خشية أن ننظر إليهم على أنهم مذنبون فيحمون المجرم ليواصل عبثه، أما النميمة الاجتماعية فقد وجدت لها فضاء واسعا للغاية، وأصبحت بوابات للتشهير وليس النميمة الضيقة المحدودة، فمن السهل أن تختفى وتفتح حسابا باسم وهمى وصورة وهمية لتنهش فى الأعراض والسلوك ويمكنك أن تخترع وثائق وأدلة وهمية تفيدك لتوقع بخصومك، فقد أصبحنا فى عصر تختلق فيه الصور التى يمكن التلاعب بها بواسطة برنامج للمونتاج لافتعال وقائع لم تحدث ولأن من الصعب الرد على تلك الأدوات فقد أصبحنا جميعا عرضة للتشهير والنهش والادعاءات الكاذبة, هناك أزواج حدثت بينهم مشكلات وانفصلوا واستخدموا بوابات التواصل الاجتماعى فى التشهير بالزوجة السابقة أو الزوج السابق، وهناك من نشروا مقاطع فيديو تنهش فى أعراض زوجات أو خطيبات سابقات، وتطورت أجهزة التجسس على الهواتف والمواقع فأصبح كل منا يحمل جاسوسا معه ينقل حركاته وسكناته وصوته وجميع المعلومات والاتصالات والتنقلات، وهناك من يرصدها ويتعرف بها على كل الخصوصيات ويمكن أن يستغلها أبشع استغلال ويبتز أصحابها، وهناك أجهزة مخابرات لم تعد بحاجة إلى الجواسيس القدامى وقد أصبح بالإمكان أن تعرف كل شيء عن أى شخص عن بعد مما يتيح لدول كبرى أو حتى صغرى أن تتلاعب بالرأى العام عن طريق كتائب متخصصة تدرس الأفراد والشعوب، وتندس بأسماء وهمية وتقذف بسمومها وأخبارها الكاذبة، مما يجعلهم قادرين على التأثير فينا.

ورأينا كيف أن أقوى دولة فى العالم تشكو لأول مرة فى تاريخها من التلاعب فى الانتخابات الرئاسية عن طريق مواقع التواصل أو القرصنة، وتجرى ملاحقة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بتلك التهمة حتى الآن. فإذا كان هذا يحدث فى أقوى دولة وأكثرها قدرات تكنولوجية ولديها خبراء ومخابرات على أعلى المستويات، فكيف يكون حالنا؟!

دول تسقط نتيجة حركات تندلع مثل النيران المفاجئة تتخفى وراء مطالب تبدو منطقية وعادلة لكنها تأخذنا غالبا إلى مكان آخر ليس فى مصلحتنا أو مصلحة دولتنا.

علينا أن نعترف بحجم المخاطر لأننا جميعا نتعرض لها وليس فينا شخص واحد إلا وسيدفع ثمن هذا التحول الاجتماعى والأخلاقى، ولنتفق على أننا جميعا نحتاج إلى الحماية من هذا الغول الذى استحضرناه واستفدنا منه، لكنه قادر على إيذائنا وإيذاء من حولنا أطفالنا وإخواننا وأبنائنا ودولتنا وكل شىء، يجب ألا نستخف أو نرى جانبا واحدا من تلك الحقيقة، ونسقط فى الدفاع الأعمى عنه ونتهم من يحاول ضبط التواصل الاجتماعى بأنه يقمعنا ويمارس علينا الاضطهاد، فنحن بالفعل نحتاج لمن يحمينا ويضع ضوابط تقلل من هذه المخاطر وفي الوقت نفسه نحاول الاستفادة من الفوائد، وأتمنى ألا نتأخر فى التوصل إلى ضوابط تحمينا جميعا من خطر اقترب منا وأحاط بنا وغزا عقولنا وهدد أماننا الشخصى والاجتماعى.

نقلا عن الأهرام القاهرية 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى بيتنا خطر فى بيتنا خطر



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen