بقلم-عـــلاء ثابت
فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر له مكانة خاصة عندى، بالإضافة إلى مكانته العلمية والدينية، فلى الشرف أن أكون بلدياته، وقد لمست مدى صدقه وغيرته على الإسلام ورموزه خلال كلمته بمناسبة المولد النبوى الشريف، عندما تحدث عن سنة الرسول ومحاولة إنكار البعض لها، لكن مخاوف فضيلته تنبع من الخشية أن تكون الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى خطوة تنال من السلف الصالح ورموزه من الصحابة ورواة الحديث، ولى بعض الملاحظات والتساؤلات التى أود أن أطرحها على فضيلته.
لا يمكن القبول بالتشكيك أو التقليل من شأن السنة النبوية الشريفة، فالسنة الثابتة والمتسقة مع القرآن والمكملة له ركن أساسى فى العقيدة، وإن كانت هناك بعض الشوائب الدخيلة، فمن الممكن تجنبها وإزالتها بما يحافظ على نقاء الإسلام وتجانسه، وهناك تطورات كبيرة فى علوم اللغويات من شأنها أن تدقق التراث بشكل أفضل مما مضى، وعلينا أن ننفتح على تلك المناهج البحثية التى تحظى باهتمام كبير فى كلية دار العلوم، وتتيح التدقيق والتمحيص فى بعض الروايات المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، خصوصا تلك التى يمكن أن تتعارض مع نصوص وروح القرآن الكريم وسماحة الإسلام أو التى تغيرت ظروفها والمتعلقة بعادات قديمة لم يعد لها وجود، وكل هذا لا يمكن أن يكون انتقاصا من السنة النبوية الشريفة بل من باب الغيرة عليها وعدم استخدامها فى غير موضعها، وأنا على يقين بأن فضيلة الشيخ الطيب يشاركنا تلك المخاوف.
أتذكر فضيلتكم ما حدث فى مأساة شركات توظيف الأموال وما سببته من مشكلات، وكم من الضحايا سقطوا وخسروا كل ما كانوا يمتلكون، وأن شيوخا أفاضل تصدوا للدفاع عنها، بوصفها نموذجا للاقتصاد الإسلامى؟، وتذكر أيضا فضيلتكم أن شيوخا رفضوا طباعة القرآن الكريم بعدما أدخل والى مصر محمد على المطبعة، لأنهم ألفوا الكتابة المدونة بخط اليد، واعتبروا ما عداها بدعة، وظل الأمر محرما بمقتضى فتوى، وكذلك جرى تحريم طباعة الكتب الدينية، واعترض بعض العلماء على إدخال التليفزيون فى بعض الدول، لكن القنوات الفضائية الآن مملوءة بالدعاة، وتعرف فضيلتكم الجدل الدائر حتى الآن بخصوص نقل الأعضاء ومدى شرعية نقل قرنية عين من متوفى يمكن شخصا آخر من الإبصار.
إننا أمام إشكاليات تحتاج فعلا إلى التجديد، وإذا كانت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى قد شاركتكم الحرص على الإسلام ورموزه، فقد فهمت أن غاية الرئيس السيسى هى أن نركز على تحديات الحاضر والمستقبل، وألا نغرق فى مشكلات اندثرت أو تفاصيل لا داعى لأن تحتل كل ذلك الاهتمام أو الاستغراق فى الغيبيات، مثل عذاب القبر وحساب الميت التى تصدر فيها فتاوى لا نعرف لها سنداً أو أصلا فى القرآن والسنة، بدل أن تنتشر ثقافة الحياة وتحسين ظروفها، وأن نتبع السلوكيات القويمة التى تدفع من شأن العمل والاجتهاد والإمساك بمفاتيح الحضارة والعلوم المفيدة للناس، وتقدم النموذج الحسن الذى يسهم فى ارتقاء البشرية وليس تدميرها. ومن هنا تأتى أهمية تطوير قدرات الدعاة وخطباء المساجد، فالداعية لا يمكن أن يكون عالما بحق إلا بقدرته على الإحاطة بما يدور فى المجتمع، وأن يكون على إلمام بالعلوم والإنجازات الحديثة، وليس مجرد إلقاء خطب محفوظة ومكررة عن الماضى فى المناسبات المختلفة، فالماضى مهم ليعطى القدوة، بشرط أن يكون قادرا ومتفاعلا مع قضايا الحاضر والمستقبل، وإذا ما كان الداعية مفتقدا تلك العلوم فإنه غالباً ما سيعاديها، فالإنسان عدو ما يجهل، ومادام لم يدرس سوى الماضى فسوف يرى أن كل جديد مستغرب، إن لم يصفه بأنه بدعة وضلالة وأن كل ضلالة فى النار.
علينا أن نكسر ذلك الجمود، وأن نطور قدرات ومعارف الدعاة وخطباء المساجد ليكونوا أكثر فاعلية وجدوى فى
حياة الناس، وقادرين على الإرشاد والتصحيح، وليس نشر ثقافة الموت وعذاب القبر والتخويف التى تنتج فئات من الكارهين للحياة.
إن مواصفات الداعية هى أهم بكثير من مواصفات الصحفى والإعلامى غير المطالب بأن يفتى أو يتكلم باسم الإسلام، ولهذا فإن علينا الاهتمام بالتأهيل الجيد حتى يكون الداعية عالما بحق فى شتى أمور الحياة، وأن يكون منارة للأجيال الجديدة، ويفتح أمامها باب الأمل وحب العلم والاجتهاد فى تحصيل المعرفة، والعمل الجاد والبحوث المفيدة، وأن يدفعها إلى المنافسة الشريفة مع أقرانها ومع باقى البشر، دون النظر إلى اختلاف العرق أو اللون أو الدين، تلك هى السماحة والمعارف ونوع الحياة التى نريدها لشبابنا وأطفالنا لنكون جديرين بأن نكون أمة قائمة على العطاء، دون أن نمد أيدينا لنحصل على المعونات من الدول الأجنبية.
لا جدال فى أهمية علوم التفسير والفقه والحديث، لكن فائدتها لا تكتمل إلا بفهم العالم الذى نعيشه وتحصيل أساسيات العلوم الحديثة ومناهج البحث العلمى ليكون الداعية قادرا على المعالجة والمواءمة وفهم ما يجرى لكى يبدى الرأى الصواب.
إن ما فهمته من تركيز كلمة الرئيس السيسى على اهتمام الدعاة بقضايا الحاضر والمستقبل هو أنها تقدم صورة أكثر إشراقا للإسلام، وتعزز مكانته فى مجتمعاتنا وفى كل أنحاء العالم، ولهذا علينا أن نستعيد روح الإسلام وجوهره من جماعات العنف والكراهية، وذلك بتخليصه من الشوائب الدخيلة التى جاءت بها جماعات العنف والإرهاب، والتى اعتمدت فيها على قراءاتهم وتفسيراتهم المضللة لما جاء فى الكتاب والسنة، بما يضعنا أمام مسئولية كبيرة للبحث فى كيفية تصحيح رؤية تلك الجماعات لهذا التراث، وما اعتمدوا عليه وتسللوا منه ليقدموا تلك الصورة الشائعة البغيضة عن الإسلام فى الكثير من بقاع الأرض، نتيجة هجماتهم الوحشية على الأبرياء وما تعرض له البعض من امتهان وإساءات بسبب اختلاف دينهم وعقيدتهم، ولا يمكن أن نكتفى بالكلام عن أن هذه الجماعات منقطعة الصلة بالإسلام، وإنما علينا أن نفند أفكارها ومنطلقاتها، وإلا فإن الفكرة الشائعة بأن الإسلام مرتبط بالعنف سوف تتسع ويدفع الإسلام والمسلمون ثمنا باهظا مع انتشار تلك الجماعات بأفكارها التكفيرية والرافضة لوجود من يختلف معها فى العقيدة أو فى بعض تفاصيلها.
إننى على يقين من حرص فضيلة شيخ الأزهر على السلف الصالح ورموزه من الفقهاء والرواة، وهو ما لا يتعارض مع حرص الرئيس السيسى على أن يتوجه الإسلام بخطاب الحاضر والمستقبل وألا يقف عند الماضى المجيد، فالحياة متجددة وتحتاج إلى رؤية ومعالجة لما يدور فيها، وألا تكون القطيعة بين الماضى والحاضر، لقد سعدنا بأن تكون مناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بداية حوار شفاف وواسع حول الخطاب الدينى ومواصفات الدعاة الذين نريدهم، وأتمنى أن يتوج بعقد مؤتمر واسع، يشارك فيه الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء ومكتبة الإسكندرية وأساتذة الجامعات والكتاب ومختلف المهتمين
نقلا عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك