بقلم - عـــلاء ثابت
ليس الهدف من الصيام فى شهر رمضان أن نعانى من الجوع والعطش فلا نقوم بعملنا، أو نحاول الحصول على إجازة لنتحمل مشقة الصوم دون عمل، وهناك من يتهربون من العمل بشتى الطرق، ويدّعون أنهم متعبون من الصيام، وهذا كله بعيد تماما عن الغاية من الصيام التى شرعها الله لنشعر بالفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، ويعملون طوال النهار، ولا يمكنهم النوم لأن الرزق لن يأتيهم وهم نيام، علينا أن نؤدى فريضة الصوم بفهم ووعى لمقاصد هذا الشهر الكريم، علينا أن نعوِّد أبناءنا على الصوم الصحيح الذى لا يمكن أن يكون بالسهر طوال الليل والنوم طوال النهار، فلا يشعر بالجوع حيث يتم إيقاظه قبل انطلاق مدفع الإفطار بدقائق قليلة، بل علينا أن نتحدث معهم عن الغاية المثلى من هذا الشهر الكريم، وهي الإحساس بالفقراء وترجمة مشاعرنا تجاههم إلى عمل إيجابى وهو التكافل وأن نسعى لرفع المعاناة عن كاهل الفقراء، سواء بالصدقات أو غيرها، كما أن الصدقات ليس شكلها الوحيد هو توفير احتياجات الأسر الفقيرة من الطعام، وإن كان هذا ضروريا، بل هناك طرق أخرى أكثر إيجابية، منها النهوض بالمستوى المعيشي للفقراء بإيجاد فرص عمل لأحد أفراد الأسرة، أو تحويلها إلى أسرة منتجة قادرة على الكسب، وهناك مشروعات صغيرة تدر أرباحا كبيرة مثل الحرف اليدوية المختلفة، والتي تلقى منتجاتها إقبالا كبيرا، ويكفى إمداد تلك الأسر بمتطلبات الإنتاج من مواد خام وغيرها، وتدريبهم على تلك الحرف وعلى كيفية تسويق المنتجات، وتوفير الخامات بأسعار معتدلة ومواصفات جيدة، فمثل تلك الأعمال الخيرية لا تمنحنا حسنات فقط لتنفيذنا تعاليم ديننا، بل أيضا تلعب دورا كبيرا فى النهضة بالوطن وتحويل المواطنين المحتاجين إلى منتجين فيضيفون إلى إجمالى الناتج القومى، بدلا من أن يكونوا عبئا عليه، وقد سعدت بأن عددا من الجمعيات الخيرية التى تجمع الصدقات والزكاة قد أدركت هذه الغاية وتطور من أدائها وتجرى بحوثا حول نوعية المشروعات الصغيرة المناسبة لكل أسرة وتدريب بعض أفرادها عليها، وبعض الجمعيات بدأت بمشروعات مثل تربية الماشية، ومنحها للفقراء للاعتماد على بيع ألبانها وأجبانها، وقد حقق المشروع نجاحا كبيرا فى عدة قرى، وبالفعل تحولت الأسر المعوزة إلى أسر منتجة، ولم تعد بحاجة إلى إعانات وتحولت إلى أسر مقتدرة ترفع مستوى أبنائها وتنفق عليهم من عرقها وكدها.أعرف أن أعدادا هائلة من المصريين يفضلون أداء العمرة فى هذا الشهر الفضيل، ورغم فرحتى بسفر مئات الآلاف لأداء عمرة رمضان، لكنى أتمنى أن تحظى الأعمال الخيرية للفقراء بالقدر الأكبر من الإنفاق فهو الغاية الأساسية من الصوم وعلينا أن نقوم بحملات توعية تحث المقتدرين على منح المشروعات الخيرية الأولوية، خاصة تلك الجمعيات التى تنفذ مشروعات صغيرة فى المناطق الأكثر فقرا وأن تصل إلى حد إنشاء بنك خاص لمنح القروض الصغيرة إلى جانب الإشراف على تلك المشروعات، وتذليل العقبات أمامها لضمان تحقيق النجاح، وألا يتعثر المشروع ويقضى على الحلم فى الخروج من دائرتى الفقر والبطالة.يمكن للدولة أن تتدخل فى تنظيم العمرات إما بتحديد عددها أو فرض ضريبة لمصلحة مشروعات الفقراء على رحلات العمرة وهو ما يمكن أن يكون للطرفين بتحقيق هدف العبادة والصدقة التنموية فى وقت واحد وأن نحاول تعميم فكرة الصدقات التنموية والتى تحقق الغاية من الصيام بشكل مباشر وأكثر إيجابية من توزيع بعض الأطعمة خلال شهر رمضان، فالصدقة التنموية يظل مفعولها طوال العام، بل ينقل الأسر الفقيرة إلى مستوى جديد مع الحفاظ على كرامة أبنائها، وأتمنى عقد حوارات بين الجهات المسموح لها بجمع الصدقات والزكاة للتنسيق فيما بينها لإقامة بنك كبير له خبراء ويستعين بمدربين، ويتبنى إقامة عدد كبير من المشروعات التى نحتاجها ويمكن أن نحقق نجاحات كبيرة، فقد قرأت تقريرا حول استيرادنا مواد بسيطة للغاية منها الإبر والصواميل والخيوط بمليارات الدولارات أى أن الكثير من مواردنا يضيع فى استيراد مواد بسيطة يمكن بسهولة تصنيعها فى بلادنا بما يحقق خفض البطالة والفقر ويوفر العملات الصعبة ويضعنا على خريطة الدول الأكثر إنتاجية، يليها تحسين وتطوير الإنتاج فقد حقق الكثير من الدول قفزات اقتصادية بهذه الطريقة منها الصين وعدد كبير من دول شرق آسيا ونحن بحاجة ماسة إلى مثل هذه الخطوة التى يحث عليها ديننا، ويمكن أن نتوسع فيها من خلال صدقات وزكاة هذا الشهر الكريم، وأن تتولى وزارة الأوقاف إطلاع خطباء المساجد على تلك المشروعات التنموية، وحث المقتدرين على المساهمة فيها، وهو ما يحقق للفقراء والمحتاجين فرص عمل حقيقية لها مردودها على أسرهم وعلى وطنهم بما يجعلهم أكثر حماسة، وأتمنى أن يأتى اليوم الذى لا أشاهد فيه عمال النظافة أو غيرها من المهن يقفون لتلقى الصدقات، مادامت لدينا القدرة على إيجاد طريقة بديلة أكثر إيجابية، وأقل مظهرية، وتحقق جوهر ما يدعونا إليه ربنا فى هذا الشهر الفضيل.نقلا عن الأهرام القاهريةالمقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك