بقلم -محمود خليل
تمدد الإخوان فى الحياة المصرية -كما لم يتمددوا من قبل- أواخر فترة السبعينات ومع مطلع الثمانينات. فخلال سنوات قليلة نجح عمر التلمسانى بما يمتلك من نعومة كلامية، وحنكة حركية، ودعم من السادات، فى إعادة بناء الجماعة فتضاعف عدد المنتمين رسمياً إليها وتزايد عدد المتعاطفين معها. ومن شاهد صلوات الأعياد التى كانت تنظمها «الإخوان» بالتعاون مع الجماعة الإسلامية أواخر السبعينات وبداية الثمانينات يعرف الكتلة العددية الكبرى التى أصبحت تتشكل منها الجماعة. وكان من الطبيعى مع هذا التمدد والتشعب أن تقع بعض الأحداث الخطيرة، التى أدت إلى انتهاء سنوات العسل بين «السادات والإخوان». من بينها توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل والتى اتفق الإخوان مع اليساريين والناصريين والقوميين فى رفضها، وواقعة «الزاوية الحمراء» منتصف عام 1981 وما صحبها من أحداث طائفية مقيتة بدأت تنذر بمخاطر التمدد الذى حدث للإخوان والإسلاميين خلال السنوات التى أعقبت انتفاضة يناير 1977.غام إحساس المصريين بالحياة. لم تكن سحابة الأحداث الطائفية المثقلة، أو سحابة الصراع مع إسرائيل، أو توقيع معاهدة سلام معها، أو تمدد الإسلاميين هى السحابات الوحيدة التى غام إحساس المصريين بالحياة فى طياتها، بل كان هناك تركة من المشكلات المعيشية التى عانوا منها أشد المعاناة، فقد خرجنا من الحرب بمرافق مهترئة عاجزة عن تهيئة حياة طبيعية للناس. مشاكل فى مرافق المياه والكهرباء والصرف الصحى، وتزاحم المواصلات بصورة مثيرة للسخرية، رغم صفقة «أوتوبيسات كارتر»، وجيمى كارتر -حينها- هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التى أهدتنا الصفقة، أما الأكل والشرب فحدّث ولا حرج، يكفى أن أقول لك إن الخبر الأهم فى حياة المصريين حينها كان: «الجمعية فيها فراخ» أو: «الجمعية فيها صابون أو زيت أو لحمة»، وعلى هامش التزاحم على الجمعيات الاستهلاكية وعجز البعض عن الحصول على ما يحتاجون من أغذية، نشأت وظيفة «الدلّالة». وهى سيدة كانت تحصل على السلع بالتنسيق مع أحد الموظفين بالجمعية لتقوم ببيعها بسعر أكبر «للزبون»، وتقتسم الربح مع الموظف الذى يمولها بالسلع. كان الحصول على أى شىء فى هذا البلد شديد الصعوبة.ورغم أن سحابة المعيشة كانت السحابة الأكثر ضغطاً على المصريين خلال فترة السبعينات، فقد كان الإخوان ينأون عن هذه القضايا ويتجنبون الخوض فيها، ويرفعون فى مواجهتها شعار: «الزمن جزء من العلاج»، ويرددون أنه عندما تقوم دولة الإسلام سوف تحل كل هذه المشكلات، وكأن دولة الإسلام تمتلك العصا السحرية التى مست «سندريلا» فحوّلتها من حال إلى حال. إنه الوهم الذى أفلحت الجماعة فى ترسيخه فى أفئدة ووجدان المصريين طيلة العقود السابقة حتى وصلت إلى الحكم عام 2012، ولحظتها اكتشف المصريون أن الإخوان باعوا لهم الوهم وأنهم بلا حول ولا حيلة أمام المشكلات المعيشية التى يعانى منها المواطن.انتهى المشهد -كما تعلم- بقرارات 5 سبتمبر 1981 التى تحفّظ فيها السادات على رموز المعارضة المصرية من كل الأطياف، وكذلك بعض الرموز الحزبية والدينية، لتنتهى الحقبة بذلك المشهد الدامى الدرامى الذى استشهد فيه الرئيس السادات على يد مجموعة من الإسلاميين الذين أخرجهم من السجون بقراره، فقرروا التخلص منه، رحمه الله.
أرسل تعليقك