بقلم - نادين عبدالله
حققت تايوان (وغيرها من النمور الآسيوية) نهضة اقتصادية مذهلة ابتداءً من الستينيات، بنيت على أساس الاستثمار فى الإنسان وتعليمه وصحته من جهة، والتركيز على بناء الكفاءة التصنيعية بهدف المنافسة فى الأسواق العالمية والتصدير. والحقيقة هى أن هذا النموذج يعتبر رائدًا ليس فقط لنجاحه الساحق، بل أيضًا لاتباعه سياسات اقتصادية تختلف عن إملاءات المؤسسات النقدية العالمية على غرار صندوق النقد الدولى، تلك التى تدفع إلى تنحية الدولة جانبًا وترك المجال للسوق، وكأن الأخيرة بمفردها قادرة على تحقيق نقلات تصديرية نوعية من دون أن تتدخل الدولة كى تحمى صناعات استراتيجية بعينها، وتعمل على تنميتها إلى أن تصبح قادرة على المنافسة الحرة.
فقد ركزت الدولة فى تايوان مثلا على تقديم الدعم المالى والفنى والعلمى للشركات المتوسطة والصغيرة لرفع قدراتها التصديرية عالميًا. وبما أنها واعية لصغر حجم وإمكانيات هذه الشركات، فقد وفرت لها نظاما للحماية والدعم بشكل تكاملى محكم ومنظم. فماذا فعلت؟ من ناحية، نسقت عملية استثمار الشركات متعددة الجنسيات فى بلادها بشكل يضمن عملية التكامل هذه، فرسمت سياسات لم تجذب فقط الشركات الأجنبية، بل ضمنت أيضًا أن مجال عملها يكمل ما لا توفره الشركات الصغيرة والمتوسطة. ومن ناحية أخرى، رسمت الدولة سياسات جاذبة وداعمة لقطاع البحوث والتنمية لتطوير إمكانيات الشركات الصغيرة والمتوسطة تقنيًا، وجعلها قادرة ليس فقط على التصنيع (فى مجال الصناعات غير الثقيلة)، بل أيضًا على المنافسة فى الأسواق العالمية. وقد وجهت الدولة الشركات المتعددة الجنسية للمساهمة فى نقل المعرفة التكنولوجية إلى هذه الشركات الصغيرة إلى الحد الذى أصبح فيه لتايوان أكبر نظام متطور لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة تكنولوجيًا على مستوى العالم.
وهى كلها أمور لا تحدث مثلا فى مصر. فمن جهة، نعانى من غياب سياسات واعية من قبل الدولة، ليس فقط لدعم صغار المستثمرين ورجال الأعمال المحليين، بل بالأخص لتحفيزهم على التصنيع والتصدير بدلا من اكتفاء أغلبهم بتقديم الخدمات أو الاستثمار فى العقارات (ولوازمها) وغيرها من القطاعات غير المنتجة. ومن جهة أخرى، لا نعانى فقط من غياب سياسات جاذبة للاستثمار الأجنبى بشكل عام، بل بالأحرى إلى سياسات محفزة ومشجعة لدفع المستثمر الأجنبى إلى الانتقال من الاستثمار فى القطاعات الريعية (العقارات والطاقة والسياحة) إلى قطاعات أخرى تبنى قدرات مصر التكنولوجية والصناعية من أجل التصدير. فهل نعى، فى مصر، خطورة الموقف فنغير النهج؟.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك