بقلم - نادين عبدالله
أسوأ الأمور هو الاعتياد٬ وعلى ما يبدو أننا اعتدنا مناظر الدماء إلى الحد الذى لم يعد فيه الكثيرون منا يحركون ساكناً حين يشهدون حادثاً إرهابياً إما اعتياداً أو إمعاناً فى النسيان، فبعضنا اعتاد ولم يعد يعبأ٬ وبعضنا من شدة الألم تعمد التجاهل ليحسن البقاء.
والحقيقة هى أن الأمر كان لافتاً بشكل مؤلم فى الحادث الإرهابى الأثيم الأخير على حافلات الأقباط العائدة من دير الأنبا صموئيل بالمنيا٬ والذى راح ضحيته سبعة مواطنين مصريين مع إصابة آخرين، فلم يلْقَ الخبر الاهتمام الطبيعى به كفاجعة حقيقية على المستوى الإنسانى قبل السياسى والاجتماعى٬ بل كثيراً ما تنصلت منه وسائل الإعلام مشيرة إليه فقط بشكل خافت أو ثانوى٬ وكأن ما حدث لا يستحق الاهتمام السياسى٬ ومراجعة أدوات محاربة الإرهاب٬ ولا يتطلب تضامناً مجتمعياً حقيقياً مع ضحايا لا حول لهم ولا قوة٬ حتى وإن سبقهم آخرون.
ولو أن هناك أسباباً سياسية تفسر هذا التجاهل الإعلامى فإن الأمر تكرر٬ بطريقة جزئية٬ فى وسائل التواصل الاجتماعى وبين الناس فى الأوساط العامة. صحيح أن العالم الافتراضى تناقل الأخبار أولاً بأول٬ ونشر الصور المؤلمة والمفجعة بألف شكل وطريقة٬ إلا أن تفاعل الناس هذه المرة لم يكن كسابقتها، فقد تجاهل الكثيرون الأمر إما لأنهم مُتعَبون٬ فاختاروا البعد عن متابعة المزيد من الأخبار المؤلمة٬ أو لأنهم رسموا لأنفسهم استراتيجية بقاء دفعتهم إلى إلهاء أنفسهم بأمور أخرى لاحتمال ضغوط الحياة وصعوبتها. أما البعض الآخر فقرر٬ عجزاً٬ عدم الاكتراث بأمور خارجة عن أيديهم٬ متصورين أنهم لن يستطيعوا تغييرها أو تعديلها.
على كلٍّ٬ اختلاف الأسباب لن يفرق كثيراً مادامت النتيجة واحدة، ألا وهى المزيد من الشعور بالوحدة بين الأقباط ضحايا هذه الحوادث الإرهابية أو غيرهم من الضحايا المحتملين٬ بالإضافة إلى المزيد من الاعتياد لمجتمع مُرهَق لن يؤدى سوى إلى تدهور الأوضاع على الصعيدين السياسى والمجتمعى، فعلى الصعيد الأول٬ سيختفى الضغط اللازم لمراجعة أدوات وطرق محاربة الإرهاب٬ وعلى الصعيد الثانى سيختفى التضامن الاجتماعى بين المصريين٬ هذا الذى لا يعالج الكوارث ولكنه يربط على القلوب ويشد من رباطة الجأش.
لذا، وأخيراً٬ نتمنى ألا تشهد بلادنا ما أصاب أخرى حين بات الدم فيها والعنف منظراً متكرراً لا يعبأ به غير القليلين.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك