آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

اليمن اليوم-

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى

بقلم - نيفين مسعد

فى شهر سبتمبر الماضى ألقى مهاتير محمد السياسى المخضرم العائد إلى رئاسة الحكومة الماليزية بعد خمسة عشر عاما من تركه لها، خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حفل بالعديد من النقاط المهمة، لكننا نتوقف فيها على ما يخص موضوع المقال. حمل مهاتير محمد على حزب المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة الذى أتت منه كل حكومات ما بعد الاستقلال عام 1957، ووصف الحكومة السابقة تحديدا لنجيب عبد الرزاق بأنها نشرت الكراهية والتعصب العرقى والدينى الأعمى كما نشرت الفساد على نطاق واسع . والحال كذلك انتقل مهاتير محمد للنقطة التاسعة التى قال فيها إن حكومته تتعهد بالانضمام إلى كل ما تبقى من اتفاقيات دولية لحماية حقوق الإنسان. وأضاف أن هذا الأمر ليس سهلا، لأن ماليزيا مجتمع متعدد الأعراق والأديان والثقافات واللغات، لكن الحكومة ستفسح الوقت والمجال اللازمين ليتحاور الجميع بحرية وعلى قاعدة الديمقراطية .

هذا الكلام النظرى كلام جميل لكنه بدا مستغربا على مهاتير محمد، لأنه على مدار فترة حكمه التى امتدت إلى اثنين وعشرين عاما كان له موقفه الرافض بالذات للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى التى تعد واحدة من أهم اتفاقيات الأمم المتحدة ، فما باله يتحدث من منبر الجمعية العامة عن التعهد بالتصديق على كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان؟ لقد أسس مهاتير محمد موقفه السابق من الاتفاقية المذكورة على أساس أنها تتعارض مع نص المادة 153 من دستور ماليزيا الذى يحتفظ بالسلطة السياسية للملاويين المسلمين ، لكن المسألة أعمق من نص دستورى قابل للتعديل، فثمة توازن قلق فى ماليزيا ما بين الملاويين المسلمين الذين يمثلون نحو 60% من السكان وبين القوميات الأخرى وبالذات القومية الصينية التى تمثل نحو 20% من إجمالى السكان وتتوزع على أكثر من ديانة . مبعث هذا القلق أن القومية الصينية التى وفدت إلى ماليزيا فى ظل الاحتلال البريطانى شأنها شأن نظيرتها فى أى دولة أخرى عادة ماتكون بارزة اقتصاديا ونشطة تجاريا بشكل ملحوظ، وفى حالة ماليزيا فإن هذا الوضع خلق فجوة بين الصينيين وبين الملاويين حاول رؤساء الحكومات المتعاقبة تقليلها ما أمكن . وبالتالى وجد الملاويون أن احتفاظهم بالتفوق السياسى يمثل حصانة لهم تحول دون تهميشهم . وإضافة إلى تعقيدات تعديل المادة 153 من الدستور فإن مهاتير محمد فى كتابه المعضلة الماليزية فى السبعينيات كانت له رؤية ثقافية تمييزية بين الملاويين الروحانيين المتسامحين السلسين وبين غير الملاويين خصوصا الصينيين الماديين العدوانيين! وفى الأيام الأخيرة الماضية تم إخراج هذا النص المقتبس من كتاب مهاتير محمد لإثارة علامات استفهام أو حتى علامات تعجب على خطبته فى الجمعية العامة التى بدت وكأنها خارج السياق .

ردا على تعهد رئيس الوزراء الجديد بالانضمام لكل اتفاقيات حقوق الإنسان بما فيها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرى، تداعى الملاويون للتظاهر فى قلب العاصمة كوالالمبور واستجاب للدعوة عشرات الألوف الذين جاءوا من مختلف أنحاء البلاد، فما كان من مهاتير محمد قبل المظاهرة إلا أن أعلن صرف النظر عن الانضمام لاتفاقية القضاء على التمييز دون أن يعطى الموضوع فرصة للنقاش كما ورد فى خطابه بالأمم المتحدة، بل هو عدل عن موقفه فجأة كما قرر ما قرره أمام الجمعية العامة فجأة. و لم يحل هذا التحول الذى وصفه البعض بالـ u-turn دون انعقاد المظاهرة كما كان مقررا لها لكن هدفها تحول من الاحتجاج إلى التأييد، واحتشد الملاويون يوم الأحد الماضى وهم يرتدون ثيابا بيضاء ويرددون شعار الله أكبر ويرفعون أعلاما عليها الشهادة، بل إن بعضهم اعتبر أن الاتفاقية المشار إليها هى اتفاقية موجهة ضد الملاويين وضد الإسلام. هكذا وكما يحدث فى العديد من الأزمات السياسية يتم تصوير الأمر على أن المستهدف هو الإسلام كدين وليس الملاويون كمكوّن من مكونات المجتمع الماليزى يدين أهله بالإسلام ، ويصبح المعنى البغيض الذى يتسرب من أمثال هذه الأحاجى السياسية أن الإسلام مع العنصرية وضد المساواة ، وكأن الإسلام لا يرفض العنصرية إلا إن كان المسلمون أقلية فى مجتمع من المجتمعات، فهنا فقط يتم استدعاء مفردات المساواة والعدالة والمواطنة والديمقراطية ...إلخ.

إن كان مهاتير محمد يبحث بعدوله عما جاء فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن توسيع شعبيته بين الملاويين فقد تحقق له ما أراد لكنه يقينا خسر أصواتا انتخابية كانت قد ذهبت إليه من غير الملاويين ، لكن هذا ليس هو الخطير فى الأمر، لأن مهاتير فى النهاية هو فرد ، أما الخطير جدا فهو اللعب بورقة العرق، خصوصا العرق المختلط بالدين كما هو فى حالة ماليزيا، وليس هناك من ينصح الطبقة السياسية الحاكمة فى ماليزيا بهذا الخصوص أكثر من تاريخ الدولة نفسه،  ففى انفصال سنغافورة عنها وفى الصراع الدموى بين القوميتين الملاوية والصينية نهاية ستينيات القرن الماضى ما يكفى ويزيد من نصائح وعظات .

نقلا عن الاهرام

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى التجربة الماليزية وقضية التمييز العنصرى



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen