بقلم - نيفين مسعد
احتفلت تونس قبل أيام بمرور ثمانى سنوات على اندلاع ثورتها، شد بعض التونسيين الرحال إلى سيدى بوزيد التى مثلت مهدا للثورة وتم التقاط عشرات الصور إلى جوار مجسم البرويطة، ولفظ برويطة فى اللهجة التونسية الدارجة معناه العربة، ولأن الثورة بدأت شرارتها بأن أطاحت شرطية بعربة الخضار التى كان يعمل عليها محمد البوعزيزى فلقد تم صنع مجسّم لهذه العربة فى موقع الحدث. الاحتفال بالعام الجديد جاء على وقع تشكيل حركة السترات الحمراء التى استلهمت النموذج الفرنسى فى الاحتجاج السياسى ورفعت اثنين وعشرين مطلبا اقتصاديا واجتماعيا، بعض هذه المطالب يتقاطع فى جوهره مع المطالب التى تبناها الاتحاد التونسى العام للشغل ونفذ بسببها إضرابا واسعا الشهر الماضي، إلا أن الحركة أرادت أن تحتفظ بمسافة عن الأطر المؤسسية ومنها الاتحاد. فى مواجهة ذلك تكونت حركة السترات الزرقاء وهى حركة تعلن أنها تدافع عن الاستقرار وترفض ممارسة السياسة بواسطة الشارع والاحتجاجات الشعبية. وبحكم الأزمة السياسية الحادة التى تعيشها تونس هذه الأيام سرعان ما تم تصنيف الحركتين السابقتين على أن أولاهما تريد إسقاط حكومة يوسف الشاهد بينما الثانية تتمسك بها، وجرت محاولة ربط السترات الحمراء بحزب نداء تونس والسترات الزرقاء بحزب النهضة.
هكذا تدخل الثورة التونسية عامها الجديد بسؤال كبير وجوهرى حول مستقبل العلاقة بين حزبّى نداء تونس والنهضة، وهى علاقة لم تكن سلسة منذ البداية، إذ تذكرنا أن نداء تونس تشكل فى الأصل ضد النهضة أو ضد مشروع أخونة تونس، لكن المتابع لتطور هذه العلاقة بالذات فى الأسابيع القليلة الماضية يلحظ أنها اتخذت أبعادا جديدة وخطيرة وصولا إلى اتهام حزب النهضة بأنه يوجد لديه جهاز سرى وأن هذا الجهاز مارس التجسس على مؤسسات الدولة ونفذ اغتيالات سياسية بل ودبّر لاغتيال الرئيس التونسى السبسى نفسه فى عام 2013 أى قبل وصوله للرئاسة، وحول هذا الأمر قال السبسى أخيرا و بشكل واضح إن ملف الجهاز السرى أصبح مفضوحا.. العالم أجمع أصبح يتكلم عنه، وأضاف أنه لن يسمح لحركة النهضة بأن تهدده. وكان الغنوشى قد دخل بنفسه على خط الأزمة، وهو قليلا ما يفعل ذلك ، فأصدر حزبه بيانا حمل اسمه واتهم فيه الرئيس بالخروج عن حياديته وأنه تجاوز سلطة القضاء حين استقبل المحامين المدافعين عن حق الشهيدين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى . ومعلوم أن من هؤلاء المحامين من ذهب خطوة أبعد و اتهم عبد العزيز الدغسنى صهر راشد الغنوشى بأنه يعتبر القائد الفعلى للجهاز.
قبل هذا التطور الأخير كان الغنوشى يفضّل إدارة خلافه مع السبسى بشكل غير مباشر فوقف حزبه مع المنصف المرزوقى فى الجولة الانتخابية الرئاسية الأولي، ووقف ضد سحب الثقة من الحبيب الصيد رئيس الوزراء السابق ثم من يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي، لكن مع جسامة الاتهام الموجه لحزب النهضة بل ولأسرة الغنوشى نفسها لم يكن من الممكن اللجوء للأساليب غير المباشرة. هنا نلاحظ أن الرأى العام التونسى شديد الحساسية لقضية عنف الإسلاميين بسبب تورط بعض شباب النهضة فى الاعتداء على مقر الحزب الحاكم فى حى باب السويقة بالعاصمة عام 1991، وبالتالى فإن الغنوشى بتدخله المباشر فى موضوع الجهاز السرى إنما كان يحاول تبييض واقعه أمام المجتمع التونسى ويؤكد أنه لم تعد للحزب أجهزة سرية منذ 2011، أكثر من ذلك فإن الغنوشى كان يدافع أيضا عن تماسك حزبه فى مواجهة اتهامه بالعنف ولا ننسى أن ثلاثة من كبار قادة النهضة كانوا قد استقالوا منها فور وقوع اعتداء باب السويقة.
وفى التعاطى مع السؤال عن مستقبل علاقة حزبّى النداء والنهضة توجد أكثر من إجابة، الإجابة الأولى تتمثل فى تراجع حدة التوتر فى العلاقة بين الطرفين لأن كلا منهما يحتاج للآخر وله قواعده الشعبية التى تؤيده، ولقد سبق أن فاجأنا الطرفان بتفاهمهما فى أكثر من مناسبة وأنتج هذا التفاهم وثيقة قرطاج الأولى والثانية. والإجابة الأخرى تتمثل على النقيض من ذلك فى القطيعة التامة بين الطرفين، سواء بحل النهضة أو بتجميد نشاطها الحزبى لبضع سنوات، وثمة اقتراحات مطروحة بهذا المعنى لكنها تظل اقتراحات غير واقعية مالم تثبت إدانة النهضة بشكل لا لبس فيه فى قضية الجهاز السري. أما الإجابة الثالثة فتتلخص فى قيام النهضة بسحب البساط من تحت أقدام النداء عبر مساعدة يوسف الشاهد على تشكيل حزب جديد من التكتل البرلمانى الذى يلتف حوله، وهذا احتمال قائم ويتردد الكلام فيه، أما مدى قدرة هذا الحزب على النجاح ومنافسة النداء فتلك قضية أخرى لأن حزب الشاهد فى النهاية لن يكون سوى تجميع لأعضاء خرجوا من أُطر حزبية مختلفة، وهو لن يقدم برنامجا جديدا لأن الشاهد يكرر أنه يتبنى برنامج نداء تونس وأنه لن يفعل إلا تجديد شباب الحزب وإعادة تألقه كما كان فى عام 2012، وهنا يكون السؤال: ماذا منع الشاهد من تنفيذ برنامج نداء تونس الذى كان عضوا فيه ولماذا صارت الأزمة الاقتصادية أكثر استفحالا بعد عامين من وجوده على رأس الحكومة؟ يضاف لما سبق أنه فى حال أرادت النهضة أن يقدم حزب الشاهد مرشحا منافسا للسبسى فى انتخابات الرئاسة المقبلة فستكون هذه مهمة عويصة لأن الأسماء المحيطة به كبيرة وكثير منها طامح فى الرئاسة.
إن الشعب التونسى يفخر بتجربته التى دشنّت حركة تغيير تجاوزت حدود تونس وترامت آثارها شرقا وغربا، وفى عامها الجديد تواجه هذه التجربة سؤالا صعبا بل هو الأصعب على الإطلاق، لكنها كما أوضحت فى مرات سابقة تملك أيضا القدرة على التفاعل بوعى ومسئولية وحذر، وهى قدرة نعّول عليها كثيرا لكن من دون مبالغة.
نقلا عن الاهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك