بقلم : أمينة خيري
«هنا» طالبتى النجيبة فى كلية الإعلام، بإحدى الجامعات الخاصة، طلبت منى الإجابة عن عدد من الأسئلة التى أزاحت الغطاء من فوق صندوق الآلام: هل تحظى مهنة الصحافة بالاحترام فى مصر؟، هل تغير حجم هذا الاحترام فى السنوات الأخيرة؟ هل الصحافة المصرية مهددة؟، هل الكتاب الصحفيون المعروفون فى الصحف المصرية يصلون إلى قراء الجيل الحالى؟، ما رأى الكتاب الكبار فى الصحفيين الشباب وطلاب الإعلام؟، ما تقييمك للجيل الحالى وتوقعاتك المتسقبلية لهم؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت كفيلة بتحريك ما لم أكن أود تحريكه. فوأد المخاوف أحيانًا يكون مطلوبا، وإقصاء القلق ربما يكون مرغوبًا بعض الوقت، وعدم مواجهة الواقع بكل تأكيد مصدر للراحة النفسية حتى وإن كانت وقتية.
ووقت دخولى مجال العمل الصحفى كانت مهنة الصحافة تحظى باحترام، فلنقل إلى حد كبير. لكنها، كشأن مهن أخرى كثيرة، من طب وهندسة ومحاسبة وغيرها، أصابها ما أصاب المجتمع المصرى من انقلاب لموازين الأمور وخلخلة لتفاصيل الحياة.
فمن كان مصنفا باعتباره «مهمًا» أو «محترمًا» أو يشغل مهنة تجعله مميزًا فى مجتمعه لأنه يعالج الألم أو يبنى المنشآت أو يكشف الحقائق ويحلل المعلومات لم يعد كذلك؛ لأن الأهمية والاحترام والتميز انتقلت لمن «هلّب تهليبة محترمة» فى أعقاب عصر الانفتاح.
وجانب منها انتقل لمن هاجروا إلى الخليج هجرة اقتصادية، وأصابت الصحافة- أو فلنقل بعضها- أمراض المجتمع ككل، حيث الانتهازية والمحسوبية والاتكالية وغيرها من الآفات التى نعلمها جميعًا، وننكرها أيضًا جميعًا. فنجد الأب والابن والابنة وابنة العم وابن الخال وابن عم زوج الأخت وابنة خال عم الأم وغيرهم انضموا لهيكل مهنة الصحافة التى يفترض أنها ضمن قائمة المهن المعتمدة على الموهبة والشغف أكثر من الكوسة والقرع. ثم جاءت الثورة المعلوماتية وعصر السماوات المفتوحة وزمن الرقمنة وصحافة المواطن وغيرها لتنقل دفة العمل الصحفى من غرفة الأخبار والتحقيقات والفيتشر والتحليل إلى شاشة الموبايل وصفحات الأصدقاء والصديقات والمؤثرين والمؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعى.
هذا الهجوم العنكبوتى المباغت والذى أصمَمْنا أمامه آذاننا وأغممنا عيوننا حتى لا نراه، وهو يأتى على أخضر الصحافة ويابسها تزامن وتحجر لتصل درجة الجمود إلى مناهج كليات الإعلام والصحافة، وتزامن التحجر مع تدنى الرواتب واختناق أفق العمل الصحفى. ورغم ذلك، تفتح كليات الإعلام أبوابها على مصاريعها لتخرج الآلاف من الأجيال الجديدة حاملين شهادات ومفتقدين روح العمل الصحفى، وهى الروح القابعة فى العناية المركزة منذ فترة. واليوم نجد مشهدًا صحفيا فى حال يرثى لها: أعداد بالآلاف المؤهلون منهم والموهوبون منقرضون. ومهنة معرضة لخطر الانقراض، سواء من حيث المحتوى أو الوسيلة. والأجواء ملبدة بغيوم الصوت الواحد والتوجه الواحد والمحتوى الواحد. أما المستقبل، فلا يعلمه إلا الله.
أرسل تعليقك