بقلم - د. جبريل العبيدي
فزان التي تبتلع الصحراء الكبرى بحجمها، يمكن لها أن تبتلع أيضاً الغزاة والطامعين، من المرتزقة والعصابات المحلية، والأخرى العابرة للحدود، والتي يستخدمها الإسلام السياسي، لتوطين مشاريعه الإرهابية، من الحين إلى الآخر. ولعل تحرك الميليشيات الأخير كان عبر ضخ الأموال القطرية لزعماء عصابات محلية، ومنها ميليشيات «سرايا الدفاع عن بنغازي» بقيادة المطلوب عربياً في قضايا إرهابية إسماعيل الصلابي والضابط المتمرد مصطفى الشركسي، وميليشيات أخرى، بعضها له امتداد قبلي وإثني في دول الجوار، استخدمها النظام القطري للعبث بالديموغرافيا والفسيفساء الليبية في فزان، كما استخدم أخرى تشادية من فصائل المعارضة، والتي يطارد فلولها الجيش الليبي في صحراء فزان.
صحراء ليبيا حارقة، وعزيمة رجالها الذين هبّوا من شرق البلاد وغربها وجنوبها لن تسمح بتمزيق الوطن إلى دويلات إثنية ولا أخرى قبائلية، فليس من حق أحد أن يحتل جزءاً من الوطن ليجعل منه دولة مزعومة له كما يحاول البعض، إنما سيبقى وطننا واحداً يرفض الظلم والاستبداد والتهميش التي هي مسببات الثورة في ظل نظام حكم يحقق العدالة والمساواة وحق المواطنة للجميع غير منقوص ودون إقصاء لأي مكون ليبي، من عرب وأمازيغ وتبو وطوارق، فحق المواطنة مكفول للجميع، فلا مكان لكيانات إثنية، ولا قبول لأي استقواء بالخارج، كما حاول البعض لتحقيق مزاعم ومطامع بعض المجانين والمهووسين بحمى التعصب.
فجنوب جزء من الوطن بين المحتل والمستباح، لا يمكن أن يتركه الجيش الليبي لشُذَّاذ الآفاق واللصوص والمرتزقة، رغم إهمال حكومة الوفاق كما هو متداول للجنوب وما يحدث فيه، إذ لا ينشغل به مجلس «الوفاق» وحكومته كأن الجنوب عبء ثقيل تتجنبه الحكومات المتعاقبة، في حين كان الأجدر بها الوقوف عنده وفهمه، بدلاً من الدفع بالمزيد من الحطب في أتون الحرب، عبر نياشين ورتب تُمنح لـ«جنرالات» أفسدتهم التخمة وفنادق الدوحة من كثرة ترددهم عليها ومبيتهم فيها، وانتفاخ جيوبهم بأموالها الفاسدة، لهتك النسيج الاجتماعي في الجنوب الليبي.
الطريق نحو فزان سلكه الجيش الليبي برجاله، ولن توقفه حفنة من جنرالات الورق، خصوصاً أننا أمام غزو واحتلال أجنبي له ميليشيات وعصابات تشادية ونيجيرية مع سكوت وتغاضٍ من قبل بعض حكومات الجوار الليبي. بعد أن تنوعت الميليشيات التي غزت الجنوب الليبي، وإن كانت المعارضة التشادية أكثر حضوراً، وهي الآن في حالة حرب مع حكومة إدريس ديبي، بعد انتهاء شهر العسل بينهما، برزت أسئلة لا إجابة لها في ظل وجود حكومة الوفاق ومجلس الصخيرات الرئاسي.
الجنوب الليبي الآن أصبح في عهدة الجيش الليبي، وهو ماضٍ في تحريره وقد قطع مسافات كبيرة حرر خلالها عاصمة فزان سبها وما جاورها، واستعاد حقل الشرارة النفطي، أكبر حقول النفط في فزان، وتمكن الجيش الليبي من استعادة مساحات شاسعة من الأراضي، التي كانت تحتلها وتستوطنها الميليشيات والعصابات الأجنبية.
الفوضى في الجنوب ليست بعيدة عن أجندة الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا، وما ضربات القوات الفرنسية، اليتيمة، لفلول المرتزقة التشادية في عمق الأراضي التشادية، والتي جاءت بناءً على طلب الحكومة التشادية، إلا دليل على ذلك.
محاولات البعض استثمار انتصارات الجيش الليبي، والدخول على الخط من قِبل الفرنسيين وغيرهم، هي في الواقع ليست جزءاً من عمليات الجيش الليبي في الجنوب، وأي محاولة لاستثمارها لن تكون مجدية للجانب الفرنسي الذي يتحجج بوجود اتفاقية حماية حدود مع ليببا، في حين أنه ترك الحدود الليبية لكل متسلل، قبل أن يتحرك الجيش الليبي في عملية كبرى لتحرير الجنوب، والتي آتت أُكُلها، وأيقظت استشعار الخطر لدى الدول الإقليمية، لأهمية استقرار الجنوب الليبي، وبالتالي أي تعاون إقليمي مدروس وبالتنسيق مع الجيش الليبي يمكن أن يكون رافداً لاستقرار الجنوب إذا تم بالتنسيق والتوافق وبمنأى عن مصالح شركات النفط والغاز التي أفسدت في رأيي المشهد الليبي.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك