بقلم - جبريل العبيدي
انتهى جمع باليرمو دون أن يحقِّق شيئاً سوى خروج قطر وتركيا بخفَّي حنين، ولم يكن لهما حضور في الترتيبات الأمنية؛ فماذا تريد هاتان الدولتان من ليبيا وما علاقتهما بها؟ لماذا تحضر قطر، وهي أصل البلاء الذي حل بالبلاد؟! فما فتِئَت هذه الدولة تزوّد الإرهابيين بمختلف فئاتهم بالسلاح والمال طيلة سبع سنين عجاف على الليبيين، للعبث بأمن ليبيا، في غياب الدولة التي سحق «الأطلسي» بنيتها التحتية سحقاً في كل ربوع البلاد.
انتهى «باليرمو» إلى الفشل، وهذه نتيجة متوقَّعة لتجريب المجرّب، وانتظار نتائج مختلفة؛ فاجتماع «باليرمو» هو نسخة مكرّرة من «الصخيرات» ومنافِسة وانقلاب لاجتماعات وتفاهمات باريس.
ففي باليرمو رفض قائد الجيش الليبي حضور الاجتماع، وشارك في اجتماع ثانٍ آخر مصغّر خُصص للأمن، حيث رفض إشراك مندوبي قطر وتركيا، مما دفع الأخيرة إلى الانسحاب من المؤتمر.
الحل في ليبيا، وليس في باليرمو التي ترتبط بتاريخ استعماري سيئ لليبيين، حيث تم نفي آلاف الليبيين إليها زمن الاستدمار الإيطالي لليبيا، وأختلف مع توصيف رفض قائد الجيش الليبي حضور اجتماعات باليرمو بـ«التسبب في الإرباك للقائمين على اجتماع باليرمو حول الأزمة الليبية، بعقد اجتماعات أمنية (موازية)»؛ فالاجتماع في الأصل أمني، ورؤية المشير حفتر قائد الجيش الليبي واضحة وصحيحة، كونها تنطلق من عمق الأزمة الليبية، وبالتالي ليست خطة روسية، كما يتوهَّم البعض الذي اعتاد تتبع خطا تركيا وقطر دون تفكير، فقائد الجيش رفض وجود هؤلاء، لعبثهم بالمشهد الأمني الليبي الذي هو أساس الأزمة، في ظل تأخُّر وتراجع واضح للدور الأميركي في رعاية الحل في ليبيا، حتى ولو عبر الحضور، فأميركا اختارت الابتعاد منذ فترة عن الملف الليبي، وتركته للعبث الأوروبي الإيطالي، خصوصاً بعد إعلان واشنطن إطلاق يد إيطاليا في ليبيا، وكأن ليبيا «عزبة» أو مزرعة أميركية تهبها لمن تشاء... فليبيا اليوم للأسف أصبحت محطة نزاع بين كثيرين، على رأسهم إيطاليا وفرنسا وأنصارهما في الدول الإقليمية، الأمر الذي يجب أن يستنهض هِمَم الليبيين الوطنيين لنفض غبار هؤلاء المتصارعين على الكعكة الليبية، ولملمة الشمل والعض على الجراح والتصالح بين الليبيين دون وسطاء كهؤلاء، وإلا أصبحت ليبيا ساحة حرب بين هؤلاء، الذين لم ولن يتفقوا، خصوصاً في ظل موقف ضبابي أميركي.
انتهى جمع باليرمو بالتفرُّق من دون نتائج تُذكر أو يُعوَّل عليها، ولعل هذا استبقه المبعوث الأمميغسان سلامة بالقفز نحو ما يسميه «المؤتمر الجامع» الذي لا يعرف أحد عدد المدعوين إليه ولا من يمثلون، مما ينبئ بالمزيد من الضبابية في المشهد الليبي، ولا يُنبِئ بحل قريب، طالما راعي الحل (البعثة الدولية) يتبنى الغموض والضبابية دون الشفافية والوضوح.
انفضَّ اجتماع باليرمو بخيبة أمل للإسلام السياسي الذي يريد أن يغرس براثنه الدموية في الجسد الليبي، عزاؤهم كان في فشل المؤتمر الذي جاءوا إليه بعقول مخططات التنظيم الضالّ وحِيَله الإجرامية.
نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك