بقلم - عبد اللطيف المناوي
من بين ما عشنا مقتنعين به خلال فترة طويلة من حياتنا هو ذلك المبدأ القائل: «لا تُعادِى الإعلام». وفى المحاضرات وتدريب الشخصيات العامة فى مهارات الاتصال والتواصل دائماً ما كنت أؤكد على هذا المبدأ. هنا لا أتحدث عن ممالأة للإعلام، ولكن عن العلاقة الصحية بين الطرفين التى تُبنى على الاحترام والموضوعية، ويكسب منها كل الأطراف، المسؤول والصحفى والمواطن.
عندما فاجأ دونالد ترامب الجميع، «بمَن فيهم هو شخصياً»، بالفوز فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، بدأ عهد جديد فى كل شىء، وتقريباً صادم ومفاجئ لكل ما درجنا عليه وتعلمناه. من بين هذه الصدمات كانت طبيعة العلاقة الجديدة بين الرئيس والإعلام، والتى أطاح فيها بكل القواعد المعلومة لنا، والتى ظللنا نتعامل معها باعتبارها قاعدة حياتية ثابتة، ومن بينها «لا تُعادِى الإعلام».
منذ اللحظة الأولى اختار ترامب الصدام والانحياز والمخاصمة. ولأول مرة نجد رئيساً قرر أن يكون الصدام والتحدى منهجاً لعلاقته مع الإعلام، وانحاز لوسيلة إعلامية واحدة دون الوسائل الأخرى، معتبراً إياها النموذج المفضل له، وهى قناة فوكس، وخاصم ما دونها من وسائل إعلام أخرى، بل وضع شبكة «سى إن إن» على قمة قائمة أعدائه اللدودين.
عداء ترامب للإعلام بدأ مبكراً، ومنذ حملته الانتخابية، عندما وصف وسائل الإعلام بأنها «عدوة الشعب»، إثر نشر صحيفة «واشنطن بوست» تصريحات قديمة له، عُدَّت مُسيئة للنساء، وقد اضطر للاعتذار عنها، ولكنه شن حملة شعواء ضد وسائل الإعلام التى اعتبرها منحازة لمنافِسته الديمقراطية هيلارى كلينتون.
وعقب حفل تنصيبه، دأب معاونوه ومساعدوه الجدد على الهجوم على وسائل الإعلام، إذ شن المتحدث باسم البيت الأبيض هجوماً حاداً عليها، خاصة عدوته الرئيسية «سى إن إن»، بسبب مقارنتها بين حضور حفل تنصيب أوباما فى عام 2013 وحضور تنصيب ترامب فى عام 2017.
الرئيس الأمريكى شارك كذلك فى الهجوم على الشبكة واسعة الانتشار أكثر من مرة، واعتبر شبكة «فوكس نيوز» هى الأعلى مشاهدة بالمقارنة بشبكة «سى إن إن»، التى قال عنها فى أحد مؤتمراته إنها تنشر أخباراً كاذبة.
لجأ ترامب فى هجومه على وسائل الإعلام إلى الخطابة وسط حشود من مؤيديه فى اللقاءات والمؤتمرات، أو التغريد على «تويتر»، حيث نشر فيديو بدا فيه وكأنه يصرع شبكة «سى إن إن»، ما جعل شبكة إخبارية مهمة فى الولايات المتحدة، وهى «إم إس إن بى سى»، تشكك فى صحة ترامب العقلية.
خطاب العداء بين الطرفين تَواصل حتى واقعة هجوم ترامب على مراسل شبكة «سى إن إن»، جيم أكوستا، فى مؤتمر الانتخابات النصفية الأخير، ووصفِه المراسل بـ«الوقح والفظيع»، وهو ما يفتح تساؤلاً حول الفائز والخاسر من هذه المعركة التى قد تقلب موازين المبادئ التى تعلمناها- على الأقل- حتى الآن، وهو موضوع المقال المقبل.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك