فى ضوء الواقع الحالى، ما هو وضع المقاربات الحالية إزاء التطرف والإرهاب الدينى؟
إن نظرة على المقاربات الرسمية فى مواجهة التطرف والتطرف العنيف والإرهاب، تشير إلى ما يلى:
- الخلط فى السياسة الإعلامية الرسمية بين مفاهيم التطرف والتطرف العنيف، والإرهاب دونما تمييز أو ضبط للمصطلحات، فى ظل محدودية الدراسات المتخصصة، والتحقيقات الاستقصائية حول الجماعات والظواهر والسلوكيات المتطرفة والإرهابية.
- فى ظل مرحلة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، تراجعت فعالية المؤسسة الدينية الرسمية عموما فى المجال الدينى، واعتمدت السلطة السياسية الحاكمة على السياسة الأمنية، والأجهزة البوليسية فى مواجهة جماعات التطرف والعنف والإرهاب، وذلك لفعالية وسرعة أدائها. واللجوء إلى بعض أشكال التحالف مع بعض القوى الإسلامية إزاء القوى الأخرى التى تتصارع مع الدولة والنظام، مع استمرار الاعتماد على المؤسسة الدينية الرسمية.
- تراجع بعض فعالية المؤسسة الدينية الرسمية يعود إلى مشكلات السياسة التعليمية الدينية ونمط المناهج، وتكوين المتخصص فى العلوم الدينية الرسمية الذى يعود إلى مشكلات السياسة التعليمية الدينية ونمط المناهج النقلية السائدة،
- ظهر عداء جماعة الإخوان والسلفيين لقيادة المؤسسة الأزهرية وشيخها الأمام الأكبر أحمد الطيب عقب 25 يناير 2011، ووصولهم إلى سدة السلطة، ومظاهراتهم أمام مقر المشيخة، وهجومهم على بعض الأساتذة فى بعض الكليات واحتلالهم لها فى مرحلة الفوضى والاضطراب الأمنى.
- اعتمدت أجهزة الدولة على الأدوات الأمنية أكثر بكثير من الاعتماد على غيرها من الأدوات، وذلك لفعالية هذه الأجهزة تاريخيًا فى مواجهة جماعات العنف والإرهاب ذى السند التأويلى الدينى، وقدراتها على اختراق هذه الجماعات، ولأنها تحوز بنية معلوماتية تاريخية متراكمة ومتنامية حول هذه الجماعات وبنياتها الفكرية والإفتائية.
- يلاحظ أن المقاربة المؤسسية الدينية الرسمية، والجهاز الإفتائى افتقرت إلى النزعة الوقائية التى تعتمد على الدراسات السوسيولوجية السياسية، والسوسيو ـ دينية، ومن ثم تتصدى مبكرًا لأنماط الفكر والإفتاء المتطرف والعنيف والإرهابى، قبل أن يتحول من مجال الفكر والإيديولوجيا إلى مجال السلوك المتطرف والعنيف والإرهابى على التمايز بين هذه الأنماط. إن مقاربة المؤسسة الرسمية اتسم برد الفعل على الفعل المتطرف العنيف والإرهابى، وهو ما ظهر فى رد الأزهر على أطروحات أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين ــ التى اشتهرت إعلاميا بالتكفير والهجرة- فى هذا بيان للناس. أن نمط الفتوى على الفتوى هو تعبير عن سياسة رد الفعل لا الفعل. من ناحية أخرى يظهر هذا التوجه فى نمط الخطاب الدينى الوعظى للدعاة الرسميين فى المساجد الخاضعة لإشراف وزارة الأوقاف.
- بعض التغيرات الجديدة التى ظهرت فى الفترة الماضية مهمة، وتتمثل فى عقد عديد من المؤتمرات التى عقدها الأزهر، وركز بعضها على تقديم بعض الاجتهاد حول العلاقة مع الآخر الدينى والتعايش المشترك. من ناحية أخرى شكلت مبادرات الأزهر الثلاث بين بعض علماء الأزهر والمثقفين التى تبنت بعض المبادئ السياسية والدستورية الحديثة حول الدولة الديمقراطية الدستورية والثورات العربية، والحقوق والحريات الأساسية. بعض المؤتمرات التى عقدتها وزارة الأوقاف حول تجديد الخطاب الدينى، إلا أن بعضها لا يزال يدور فى المدار التقليدى الموروث.
- تبدى الدولة ورئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى اهتماما متزايدًا، بضرورة إحداث ثورة دينية، ثم تجديد وإصلاح الخطاب الدينى، وأخيرا ضرورة تصويب الخطاب، إلا أن مستوى الاستجابة لا يزال يدور فى الإطار الجزئى والتقليدى، سواء فى بعض مناهج التعليم الدينى الأزهرى المقررة، أو فى بعض المؤتمرات، وهو أمر يحتاج إلى رؤية ووقت وسياسة تعليمية ودينية إصلاحية.
من مجمل ما سبق نستطيع القول:
- إن المقاربة الأساسية فى مواجهة التطرف والتطرف العنيف والإرهاب أمنية بالأساس، وأن المقاربة المؤسسية الدينية والإفتائية لا تعدو أن تكون ردود أفعال، ولا توجد رؤية إصلاحية للعقل والفكر والتعليم والوعظ والإفتاء الدينى، وذلك على الرغم من بعض الجهود التى قدمت من وزارة الأوقاف ومرصد مواجهة الفكر المتطرف وجهود الأزهر.
- أن دور المؤسسة الدينية مهم، وضرورى، ولكنه جزء من مكونات سياسية شاملة للمواجهة فى إطار السياسات التعليمية والإعلامية والتربوية والثقافية والدينية والأمنية.
- المقاربة الدينية للمؤسسة الرسمية لابد من اعتمادها على رؤية إصلاحية للعقل الدينى، وللفكر الإسلامى الوضعى، وسياسة إفتائية لا تعتمد على رد الفعل، وإنما تتسم بالنزعة الوقائية، ومن الأهمية بمكان متابعة بصيرة وعقلانية لأثر الثورة التكنولوجية الرابعة والذكاء الصناعى على الكيان والوجود الإنسانى وما يطرحه ذلك من أسئلة وإشكاليات فلسفية ودينية استثنائية وغير مألوفة. إذ لم تعد الدنيا هى الدنيا التى كنا نعرفها، وكتب عن مشكلاتها وأسئلتها فقهاؤنا وفلاسفتنا القدماء.
نقلا عن الاهرام القاهريه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك