بقلم - نشوى الحوفى
حتى لا نتوه فى طريقنا، وحتى لا نأكل ذاكرتنا فى مسيرة الدنيا، وننسى من ضحوا بحياتهم من أجل كرامة لا يعرفها الكثيرون ممن ادعوا الحياة رخصاً فى وطن لا يدركون معناه، دعونا نسأل: من أين تبدأ حكاية 25 يناير فى ذاكرتنا؟
الإجابة تبدأ من الإسماعيلية فى 25 يناير 1952، حين استشهد 50 مصرياً بين ضابط وجندى، وأصيب 80 جريحاً، على يد قوات الإنجليز التى كانت تتمركز، وفقاً لمعاهدة 1936، فى مدن القناة (بورسعيد، السويس، الإسماعيلية)، والتى واجهت حرب الفدائيين حتى جلائهم عن بلادى بعد ثورة يوليو 1952.
تسألنى: ومن كان هؤلاء الفدائيون؟ فأجيبك أنهم كانوا الدكتور والفلاح والمدرس والعامل والمهندس والطالب. وكانت المرأة حاملة السلاح والمؤن فى مشنّة العيش، والطفل الذى يفجر معسكر الإنجليز وهو يتظاهر بلعب الكرة. ببساطة، كانوا «المصرى» بغضِّ النظر عن عقيدتهم أو مهنهم أو جنسهم أو أعمارهم. جدعان من كل لون، تجمعهم كلمة واحدة «أنا مصرى رافض الاحتلال».
ولكن، ما علاقة الفدائيين بالبوليس المصرى؟ بالشرطة المصرية؟ ألم أقل لكم إنها كانت معركة المصرى. والبوليس مصرى رافض ومدرك أن لا شأن للخواجة بالأرض، ومن هنا كانت مساعدته للفدائيين وتدريبهم لتكون ضربتهم موجعة للمحتل الذى فطن لدور البوليس، فأصر على مغادرته لمدن القناة، وبدون سلاحه!!
وقال المصرى عبارة أهله المأثورة «البيت بيت أبونا والأغراب يطردونا؟»، فقرر أنه لن يخرج. وفى فجر 25 يناير 1952 طلبت قوات الاحتلال الإنجليزى من البوليس المصرى إخلاء مبنى المحافظة خلال 5 دقائق وبدون سلاحهم. كان قائد البوليس المصرى «جدع قلبه أسد» اسمه الملازم أول مصطفى رفعت، رفض قرار المحتل وأعلن لقواته وقائدهم «إكس هام» أنه لو لم ينسحب من حول المبنى بقواته سيبدأ بضربهم لأن الأرض التى يقفون عليها مصرية. ثم دخل مبنى المحافظة وأعلم زميله الملازم أول عبدالمسيح وجنوده بما حدث. واتفقوا على الدفاع عن مبنى محافظة الإسماعيلية لآخر نفس. بالطبع كان عدم التكافؤ فى القوة سمة المعركة. مبنى المحافظة تحاصره دبابات الإنجليز الحديثة والرشاشات وجنود وضباط مدججون ببنادق جديدة. ولكن من قال إن أزمتنا عبر الزمن معهم كانت السلاح مهما تفوقوا فيه؟! أزمتنا معهم من قدم هى العقيدة التى لا يمتلكونها.. عقيدة الجدعان.
وتم ضرب المبنى بقذائف الدبابات، ليقع فى الاشتباكات 50 شهيداً و80 مصاباً. ويخرج الملازم أول مصطفى رفعت لمحادثة «إكس هام» قائد الإنجليز الذى ظن استسلام البوليس المصرى فأوقف الضرب. إلا أن الملازم أول مصطفى رفعت يطلب الإسعاف لنقل المصابين وإخلائهم، فيرفض الإنجليز ويشترطون الاستسلام، فيرفض الجدع ويعود لزملائه وتستمر المعركة حتى قاربت الذخيرة على النفاد، مع إصرار قوات البوليس على إكمال معركتها حتى النهاية، إلى أن يأتى لمبنى المحافظة قائد قوات الإنجليز فى مدن القناة «ماتيوس» الذى يعقد اتفاقه مع الملازم مصطفى رفعت بإجلاء المصابين والشهداء فى سيارات الإسعاف وخروج بقية القوة المصرية حاملة سلاحها. وتنتهى 25 يناير 1952 دون أن تمحو من صفحات التاريخ بطولة رجال.
وتمر السنوات ويخطط صهاينة العصر لبلادى وما حولها منذ سبعينات القرن الماضى فيما عُرف باسم خطة «برنارد لويس- بيرجينيسكى»، وبدأت بإيصال الملالى لحكم إيران بمساعدة إخوان وُعدوا بتسلم السلطة خلال عقود.. ويكون الاختيار ليوم 25 يناير 2011 إيذاناً بفوضى مصر.
نعم، آمنت بأننا كنا ضالعين فى المؤامرة بجهلنا وضياع هويتنا وتاريخنا وفساد نفوسنا وقيمنا. ولكن المحتل أبداً لم ينسَ 25 يناير 1952. فهل نتعلم الدرس جميعاً؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
أرسل تعليقك