آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

عودة إلى «خلط الأوراق» فى سوريا

اليمن اليوم-

عودة إلى «خلط الأوراق» فى سوريا

بقلم - محمد السعيد إدريس

بعد الفراغ من أعمال مؤتمرى »وارسو« الذى خططت له الولايات المتحدة لتأسيس تحالف دولى ضد إيران (13-14/2/2019)، وسوتشى الذى رتبت له روسيا مع حليفيها الإيرانى والتركى (14/2/2019) للإمساك بأوراق تطورات الأزمة السورية وضبط مساراتها بعيداً عن ضوضاء الوجود العسكرى الأمريكى الذى قرر الانسحاب بإرادة منفردة تاركاً حلفاءه يتخبطون فى البحث عن ملاذات للإنقاذ، بعد هذا كله كان السؤال الذى شغل جل المراقبين والمهتمين بأحداث الشرق الأوسط وتفاعلاته الصاخبة هو: إلى أين ستتجه الأحداث فى المنطقة بعد انتهاء هذين المؤتمرين بحلوهما ومرهما؟ الأمريكيون فشلوا بامتياز فى جعل مؤتمر وارسو منصة لتأسيس تحالف دولى ضد إيران، على غرار التحالف الذى سبق أن أسسوه لمحاربة تنظيم »داعش« الإرهابى. روسيا قاطعت المؤتمر واختارت أن تعقد مؤتمراً منافساً ومتزامناً مع المؤتمر الذى أعدت له واشنطن.أما الضربة الأهم فكانت من الحلفاء الأوروبيين حيث قررت الدول الكبرى فى الاتحاد الأوروبى تخفيض مستوى مشاركتها فى المؤتمر.

أوروبا فعلت ذلك لأنها تعارض الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى الموقع مع إيران، ولأنها حريصة أشد الحرص على أن تبقى إيران هى الأخرى ملتزمة بهذا الاتفاق ولا تنسحب منه. لذلك فشل مؤتمر وارسو فى الخروج بخطة عمل وآليات محددة لمواجهة «التهديد الإيرانى»، وكل ما تحقق هو أنه تحول إلى «عرس تطبيعى» للعلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.على الجانب الآخر، لم يفشل مؤتمر سوتشى فى أهدافه، لكنه لم يحقق اختراقاً له معنى فى أهم ملفاته:

ملف من سيملأ فراغ الانسحاب الأمريكى من شمال سوريا، وملف حسم مشكلة إدلب، وملف لجنة الدستور.البيان الختامى الذى صدر عن قمة سوتشى أكد أن الرؤساء «بحثوا الوضع فى شمال شرق سوريا، واتفقوا على تنسيق أعمالهم لضمان الأمن والاستقرار فى المنطقة مع احترام سيادة ووحدة الأراضى السورية«، كما أكد الرؤساء «عزمهم على إطلاق اللجنة الدستورية فى وقت مبكر» وبعد ذلك راح كل منهم يدافع عن مصالح بلاده فى سوريا.ففى حين اعتبر الرئيس الروسى أن نية واشنطن الخروج من سوريا «هى خطوة إيجابية» إلا أنه أكد أنه »يجب أن تستعيد دمشق السيطرة على هذه المنطقة« (شمال شرق سوريا)، أما الرئيس أردوغان فقد شدد على ضرورة «تطهير منطقة (منبج) وشرق الفرات من العناصر الانفصالية وتسليم المناطق للسلطة الشرعية» وأكد أن بلاده «تدعم فكرة المنطقة الأمنية (فى سوريا) بما يخدم إزالة مخاوفنا بشأن الأمن القومى».

فى حين أن الرئيس الإيرانى أبدى قلقه لما اعتبره «المؤامرة طويلة الأمد» الأمريكية ضد سوريا، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «لن تتوقف عن التدخل فى شئون سوريا».هذا التوافق المحدود فى الرؤى والمواقف بين أطراف قمة سوتشى لم يستطع الصمود أمام المفاجأة الأمريكية غير المنتظرة للجميع بالعدول عن الانسحاب الكامل من سوريا.

وبقدر ما أربكت هذه المفاجأة حسابات أطراف «قمة سوتشى» بقدر ما جدد فشل «مؤتمر وارسو» التحديات التى لم يستطع منظموه مواجهتها.فمظاهر السعادة التى اكتسى بها العشاء الشهير بين وزراء خارجية عرب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية فى وارسو، لم تستطع إخفاء مشاعر البؤس والاكتئاب عند الإسرائيليين بسبب فشل مؤتمر وارسو فى التأسيس لتحالف دولى ضد إيران يعمل على الاتجاه الذى تريده إسرائيل بتحويل إيران إلى «المصدر الرئيسى لدعم الإرهاب وتهديد الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط». أفاق الإسرائيليون على حقيقة أنهم «وإن كانوا قد كسبوا بعض العرب، فإنهم خسروا روسيا وتركيا» وهما الطرفان المحوريان فى أى جهود حقيقية لاحتواء إيران، أو على الأقل لإخراجها من سوريا، وليس الشركاء العرب.

الوعى بهذه الخسارة قادهم إلى الوعى بخسارة أخرى، وهى مصداقيتهم فى التصدى لإيران أمام شركائهم العرب. تزعزع هذه المصداقية قد يؤدى إلى احتمال حدوث فتور فى اندفاعة التطبيع العربية مع إسرائيل والتى تأسست على توقعات بقدرات إسرائيلية كبيرة على احتواء الخطر الإيرانى. هذا كله عاد بالإسرائيليين إلى المربع الأول مجدداً وفرض عليهم السؤال الصعب المختلف على إجابته: هل الحرب هى الحل الوحيد الممكن مع إيران؟الإحباط الذى عاد به الإسرائيليون من وارسو امتد إلى الأتراك بعد عودتهم من سوتشى بسبب الإعلان الأمريكى عن الإبقاء على 400 جندى بعد سحب القوات الأمريكية من سوريا على أن يتم،

تقسيم هذه القوة بين المنطقة الأمنية التى يجرى التفاوض عليها فى شمال شرق سوريا وبين القاعدة العسكرية الأمريكية فى «التنف» التى تقع على الحدود بين سوريا والعراق والأردن. ليس هذا فقط بل إن واشنطن تعمل على أن يدفع الشركاء الأوروبيون بـ «1800 جندى» ليشاركوا مع القوة الأمريكية لتأسيس «المنطقة الأمنية» وللحيلولة دون تمكين تركيا من التنكيل بالحلفاء الأكراد السوريين.هذا القرار الأمريكى المفاجئ أعاد خلط الأوراق وأربك حسابات كل الأطراف وأولهم تركيا إضافة إلى روسيا وإيران وسوريا، وأعاد قدراً من الطمأنة إلى الحليف الإسرائيلى بإعادة تأكيد بقاء قوات أمريكية حتى ولو كانت رمزية فى سوريا وإلى الحليف الكردى، فى ظل ما أوضحه الأمريكيون من رفض أى انتشار للقوات التركية فى «المنطقة الأمنية» التى يجرى إعدادها فى شمال شرق سوريا.

واشنطن بهذه الخطوة تعيد نفسها مجدداً للإمساك بورقة ضغط قوية فى العملية السياسية السورية وفرض شروطها، وهذا تطور سيئ بالنسبة لروسيا التى كانت تمنى نفسها بالرحيل الأمريكى، وسيئ أيضاً لسوريا التى كانت تنتظر عودة الأكراد السوريين مجدداً إلى «الوطن الأم»،وهذا لن يتحقق بعد أن وعدتهم واشنطن بتوفير الحماية التى كانوا يأملونها وحذرتهم من أى تفاهمات مع دمشق.أما إيران فتدرك أنها المستهدفة بهذه الخطوة الأمريكية، إذ ربما تعيد واشنطن ربط رحيلها عن سوريا برحيل إيران، لكن الأهم هو أن تركيز الأمريكيين على إبقاء قواتهم فى «قاعدة التنف» ومنطقة الـ 55 كم التى تقع فى محيطها سيبقى «طريق بغداد- دمشق» مغلقاً، وسيعرقل تنفيذ «طريق طهران بيروت» ربما إلى أجل غير مسمى. وهذه كلها تطورات وتداعيات من شأنها إرباك حسابات جميع الأطراف، وفرض واقع جديد لتوازن القوى فى سوريا بعد مؤتمرى وارسو وسوتشى لم يكن ينتظره أو يأمله أى منهم.

نقلا عن الاهرام القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة إلى «خلط الأوراق» فى سوريا عودة إلى «خلط الأوراق» فى سوريا



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen