آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

السعادة الاقتصادية!

اليمن اليوم-

السعادة الاقتصادية

بقلم - أحمد جلال

تلقيت مؤخراً دعوة كريمة للمشاركة فى المؤتمر السنوى الرابع لأكاديمية السادات، تحت عنوان غير تقليدى: «من النمو الاقتصادى إلى السعادة الاقتصادية». هذا العنوان يحرض فى جوهره على استبدال النمو الاقتصادى بالسعادة الاقتصادية كهدف للتنمية، وهو ما أثار فى ذهنى عدة أسئلة: لماذا حظى معدل النمو حتى وقت قريب بقدر عالٍ من الاحتفاء به، ولماذا يأفل نجمه هذه الأيام؟ وإذا لم يكن النمو الاقتصادى هدفا مقنعا، هل يمكن اعتبار السعادة الاقتصادية بديلا أفضل؟ وأخيرا، هل مصر فى حاجة إلى مؤشر جديد لقياس ما نحققه من تقدم على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعى؟ هذه هى الأسئلة التى حاولت الإجابة عنها، وألخص الإجابات فيما يلى:

بالنسبة لشيوع استخدام معدل النمو الاقتصادى، ظنى أن ذلك يرجع لثلاثة أسباب: أولها، أنه رقم بسيط ومعبر عما تتم إضافته سنوياً للناتج القومى، إضافة إلى سهولة مقارنته من سنة لأخرى، وكذلك بين الدول. السبب الثانى مرتبط بتطور علم الاقتصاد نفسه، وما طرأ عليه من نظريات تساعد على التنبؤ بالسلوك الإنسانى فى التعامل مع ندرة الموارد وكفاءة استخداماتها، بافتراض أن الإنسان يسعى برشادة لتعظيم مصلحته الخاصة. السبب الثالث مرتبط بالسبب الثانى، وإن كان سياسيا فى طبيعته، حيث إن التركيز على الكفاءة وليس العدالة الاجتماعية يتفق مع مصالح الطبقة الثرية المتحالفة جل الوقت مع الطبقة الحاكمة.

أيا كانت الأسباب، فقد تعرض معدل النمو الاقتصادى مؤخرا للنقد الشديد لأسباب مختلفة، منها أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن زيادة الدخل فوق مستوى معين لا يجلب مزيدا من السعادة. ومنها أيضا أن إهمال عدالة التوزيع، استنادا لفكرة حصول عناصر الإنتاج بقدر مساهمتها فى الإنتاج واستحواذ المالك على نصيب الأسد، كثيرا ما يؤدى إلى زعزعة استقرار الأمم.

... إضافة لهذا وذاك، تفتقت الأذهان عن إمكانية قياس ما تحققه الدول من تقدم، إذا أرادت الحكومات، باستخدام مؤشرات موضوعية أكثر ثراء، لا يكون فيها الدخل إلا أحد المكونات.

إذا كانت هذه الانتقادات فى محلها، هل يمكن اعتبار السعادة الاقتصادية بديلا أفضل للنمو الاقتصادى؟ لا أظن ذلك، لأن السعادة الاقتصادية يتم قياسها عادة عن طريق مسوح رأى ميدانية لاستشفاف ما يشعر به الأفراد. والمشكلة هنا أن السعادة يصعب تعريفها أو إدراك ماهيتها، ناهيك عن استحالة مقارنة ما يشعر به الأفراد، خاصة مع اختلاف الثقافات. البديل الأكثر شيوعا هو قياس رفاهة الفرد أو جودة الحياة، بناء على مؤشرات موضوعية، مكوناتها إضافة لما يحصل عليه الفرد من دخل، عناصر أخرى مثل إتاحة وجودة الخدمات التعليمية والصحية والثقافية، وتكافؤ الفرص، والمشاركة السياسية، وحماية بيئية. الأمثلة على تطبيق هذا البديل عديدة، ومنها تقارير التنمية البشرية التى يصدرها البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة، وتقرير «ما بعد النمو الاقتصادى» الذى أشرف عليه عدد من الحائزين على جائزة نوبل فى الاقتصاد، وتقارير اليونسكو عن التقدم الاقتصادى والاجتماعى. هذه التقارير لقيت صدى كبيرا لدى العديد من الدول، من بينها السويد، ونيوزيلاندا، وكوريا الجنوبية، وسنغافورة.

بالنسبة لمصر، لم نكن بعيدين كثيرا عن هذا التحول العالمى، وقد تم بالفعل إصدار عدد من تقارير التنمية البشرية، لكن هذه التقارير توقفت منذ فترة، ولم يتم نشر آخر إصدار منها. أما وأننا نرفع الآن شعار محورية الإنسان فى جهود التنمية، ظنى أننا فى حاجة ماسة لتبنى مؤشر جديد لقياس ما يتحقق من إنجازات اقتصادية واجتماعية. لتفعيل هذا الاقتراح، أدعو وزارة التخطيط، ووزيرتها القديرة، إلى طرح مبادرة للوصول إلى توافق مجتمعى حول طبيعة وبنود هذا المؤشر، وإصدار تقارير دورية بشأنه. الاعتماد المبالغ فيه على معدل النمو الاقتصادى قد يؤدى إلى تشخيص خاطئ لمشاكلنا، وبالتالى تبنى سياسات خاطئة، ولنا فيما حدث قبل يناير 2011 مثال لا يجب أن ننساه.

عودة لفكرة التحول من النمو الاقتصادى إلى السعادة الاقتصادية، ليس هناك شك فى قصور مؤشر النمو الاقتصادى عن قياس تقدم الأمم. فى نفس الوقت، لا أظن أن السعادة الاقتصادية بديل أفضل، وذلك لغموض معناها واستحالة مقارنة ما يشعر به الأفراد. الهدف  الذى يستحق السعى لتحقيقه هو رفاهة الفرد، مقاسا بمعايير موضوعية يتم تحديدها مجتمعيا. هذا الرأى ليس تحريضا ضد النمو الاقتصادى، ولكنه دعوة لتحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة.

نقلا عن المصري اليوم 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعادة الاقتصادية السعادة الاقتصادية



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية

GMT 02:49 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في حضرموت السبت

GMT 08:44 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

السياري يؤكّد تصميم مستعمرة على القمر بطريقة الواحات

GMT 19:02 2016 الخميس ,23 حزيران / يونيو

10 نصائح لتعليم طفلك النظام والنظافة

GMT 07:30 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المغرب يلغي حظر المكالمات الصوتية عبر الإنترنت
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen