آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

عودة الدراما إلى رشدها

اليمن اليوم-

عودة الدراما إلى رشدها

بقلم - سوسن الأبطح

تحررت أخيراً المسلسلات اللبنانية من قوقعتها ولم تعد حبيسة قصص الحب ومآسي الخيانات الزوجية، وفخاخ الجشع للثروة. خرجت الحكايات أيضاً من كبوة الدفاع عن الانحراف السلوكي وتسامحها مع أهل الغدر الذين يكافأون بدل أن يحاكموا، ويحالفهم الحظ بدل أن تعاندهم الظروف. عادت الدراما إلى رشدها، وبعض من إنسانيتها، ودورها كراصد للظلم والفساد. بمقدورك أن تعترض على بعض الهفوات، على بطء الإيقاع أحياناً، وضعف مؤدين لم يكن اختيارهم موفقاً، لكنك لا بد أن تلحظ أن الحكايات بدأت تمس ضمير الناس وتلامس مشكلاتهم اليومية. اشتعل خيال الكتّاب بعودة إلى الحرب الأهلية اللبنانية بكل ما تركته خلفها من مآسٍ نسي البعض أنها لا تزال تعشش في نفوسهم، بدخول بيوت زعماء سياسيين لتفضح نتنهم العائلي، وجشعهم للسلطة ونفاقهم الذي يمارسونه على أنفسهم قبل أن يدسّوه سماً في خطاباتهم.كان المتفرج بحاجة إلى جرعة أمل بأن المبادئ لها مكانها وأن المختلسين والمهربين والظالمين يخضعون للحساب ولا ينتصرون بالضرورة. تغلب مسلسل «الهيبة» على ميله المزعج للدفاع عن عصابات التهريب الحدودية التي تناور قوى الأمن وتنتصر ويتوج قادتها «قبضايات» يستحقون احترام من حولهم. أنقذ المسلسل نفسه في الجزء الثالث حين أدخل رجلاً سياسياً مرموقاً وفاسداً إلى صلب القصة له عشيقة إعلامية يصنع منها نجمة، لكنها تقع في غرام جبل، وتجد فيه من الشهامة ما لا تعثر عليه في الصورة اللماعة للأول. الصراع لا يزال دائراً بين الرجلين لكن السياسي الكبير يجد نفسه منكسراً، ضعيفاً، خانعاً، يعمل في الظل للانتقام واقعاً تحت ضغط الخوف من انكشاف فضائحه. وجبل (تيم حسن) الناقم على سلطة الدولة بدأ يراجع نفسه ويسأل والدته (منى واصف) «ما الذي جنيناه من كل ما فعلناه؟ خلينا نمشي على الأصول». القانون حاضر، رغم أن المنحرفين كثر.الخلافات داخل البيت السياسي الواحد في «خمسة ونص» هي بين تيارين أحدهما يميل إلى الخير تمثله نادين نسيب نجيم زوجة الابن التي دخلت جديداً إلى العائلة، في مواجهة نيات الشر عند زوجها كما زوجة أبيه. الكاتبة إيمان سعيد برعت رغم بعض السذاجة في بداية المسلسل، في استلهام الواقع اللبناني، وجعلت الحقد يدمّر العائلة السياسية فيما برزت زوجة الابن، الطبيبة الآتية بأفكار المجتمع المدني اللبناني كبديل بعد أن تمكنت من الوصول إلى النيابة عِوضَ زوجها. المسلسل يتحدث عن فساد الأدوية، وسموم النفايات المتراكمة التي تفتك بصحة الناس، من خلال النائبة الطبيبة الثائرة.الرغبة في فضح الانحراف السياسي المزمن في لبنان، الذي بات موضوعاً محبباً للمسلسلات، يأتي متناغماً مع ميل شعبي متزايد للنقد والكشف. ينتبه الكتّاب فجأة أنهم في مجتمع، هو من الغنى بالأزمات والمحن، ما يجعلهم محتاجين فقط إلى أن يفتحوا عيونهم ويشنفوا آذانهم ليلتقطوا عجائب ما يمكن أن يروى، وهذا ما يبدو جلياً في مسلسلي «أسود» و«انتي مين». الكاتبة كلوديا مارشيليان في المسلسل الأول دخلت في عالم الغرائبية لكنها بقيت ملتصقة بالواقع. الشخصية المحورية التي يلعبها باسم مغنية بإتقان، هي لشاب تعرض لتحرش جنسي وهو طفل بتواطؤ من والده وذهبت الأم ضحية. «أسود» الذي كبر ويحمل المسلسل اسمه، قلبه ممتلئ بالحقد على المرأة التي دمّرت حياته يطاردها وعائلتها بنَفَس طويل وخطط للانتقام مثيرة ومشوقة. هو بقدر ما يريد أن يثأر يود ألا تصيب شروره أبرياء لا ذنب لهم. هنا تدخل الكاتبة في «متلازمة استوكهولم» حيث تبدأ الضحية ابنة المرأة المتحرشة التي يختطفها أسود بالتعاطف معه لتجد القصة انعطافات غير متوقعة. استغلال الأطفال جنسياً، والأمراض النفسية التي تتفشى في المجتمع اللبناني، والبحث عن الحب بأي ثمن، والفقر الذي يجر إلى الرذيلة، والغنى الذي لا يجلب السعادة، والتضحية بكل شيء من أجل المال... كلها مجتمعة في قصة واحدة.القضايا المركبة باتت سمة لذيذة في قصص الكتّاب اللبنانيين، بعد أن افتقروا طويلاً للعمق النابع من الهوية الذاتية، وأغرتهم الحبكات المكسيكية والتركية، واقتبسوا القصص الغربية.الكاتبة والممثلة كارين رزق الله تابت أخيراً عن نصوص تعطيها دور المعشوقة التي لا يُردّ سحرها. لبست ثياب المرأة التي تكدّ طوال نهارها لتلتقط قوتها، تقود سيارة لا تعرف متى تتعطل، تعيش في بيت متواضع مع أب سكير كان مقاتلاً في إحدى الميليشيات في أثناء الحرب اللبنانية، بعد أن فقدت أمها المقاتلة هي الأخرى. تكشف الحلقات عن أن الأم لا تزال على قيد الحياة. وأنها إضافة إلى هذه البنت، لها ابن ربته ولم تلده، وآخر ولدته وتركته أمام أحد المياتم لتتبناه عائلة ألمانية. ذيول الحرب تزن قاسية على عائلتين في المسلسل وثالثة لم يبق لها سوى طرق ملتوية لتأمين حتى التيار الكهربائي في بيتها.تفجّرت المواضع في نصوص الكتّاب فجأة، كأنما وقعوا أخيراً على مغارة الكنز المفقود، غير أن النقد بقي واقفاً حيث هو، ثمة من لا يزال يمدح دون توقف، ومن لا يرى سوى العورات دون مبرر، ومن يلاحق أخبار الملابس، ومن يهتم بأخبار النجوم، في قصور محزن أمام إنجازات في السيناريوهات تستحق أن توضع تحت مجهر التشريح الدقيق. العمل الحر، الجريء يحتاج إلى رصد يتناسب ومستوى ما يقدَّم. ومن قال إن التلفزيون قد مات، لا بد أنه تأكد أن المسلسلات تنتعش من جديد، وأن الناس يعشقون، كما الأطفال الصغار مَن يقص عليهم الحكايا، شرط أن تحترم عقولهم، وتمس ضمائرهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الدراما إلى رشدها عودة الدراما إلى رشدها



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 21:46 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

تزداد الحظوظ لذلك توقّع بعض الأرباح المالية

GMT 21:42 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:56 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

بريشة : علي خليل

GMT 17:17 2019 الأحد ,15 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد في كانون الأول 2019

GMT 19:40 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج في كانون الأول 2019

GMT 21:15 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الأيام الأولى من الشهر

GMT 21:18 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 02:30 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء ممتازة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 12:44 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

إنتاج أميركا من النفط سيرتفع لأكثر من 12 مليون برميل يوميًا

GMT 08:03 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

لن يصلك شيء على طبق من فضة هذا الشهر

GMT 05:37 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نيوزيلندا وجهة سياحية مميزة تتمتع بمناظر طبيعية خلابة

GMT 01:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق جديدة من أجل تنظيف أدوات الطهي الزجاج

GMT 15:42 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5,6 درجة على مقياس ريختر يضرب الساحل الغربي لتايوان

GMT 20:49 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

ارسنال يخفض سعر سانشيز بعد اقتراب نهاية عقده
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen