آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى

اليمن اليوم-

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى

بقلم : د. حسن أبوطالب

قد تدخل قوات عراقية إلى عمق الأراضى السورية، لملء فراغ القوات الأمريكية، التى أعلن الرئيس ترامب سحبها فى غضون 60 إلى مائة يوم، وقد تنتقل هذه القوات إلى مرافقها الموجودة فى العراق، حسب الاتفاقات مع الحكومة العراقية. فى الوقت ذاته سوف تترك مهمة القضاء على بقايا «داعش» للجيش التركى، الذى يستعد لدخول شمال شرق سوريا بعد تنسيق الانسحاب الأمريكى ليتم ببطء وبدقة، حسب تغريدات الرئيس ترامب، الذى أكد فيها قوله إن سوريا باتت لأردوغان، فى حين أن هدف تركيا المعلن رئاسياً ليس مواجهة بقايا «داعش»، وإنما سحق والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها مجموعة إرهابية وذات صلات مع حزب العمال الكردستانى التركى، فى حين أن قوات «قسد» تتشكل من غالبية كردية، وبعض العرب، وكان لها، وما زال، دور كبير فى مواجهة داعش طوال السنوات الأربع الماضية، بدعم أمريكى تسليحاً وتدريباً، وتعتبر نفسها قوة أساسية لحماية الأكراد فى الشمال السورى، وليس مواجهة تركيا أو تصدير الإرهاب لها، كما يزعم الرئيس أردوغان.

الموقف السورى الرسمى يتراوح بين ثلاثة متغيرات، الأول إعلامى يعتبر قرار الرئيس ترامب بمثابة انتصار لسوريا، دون أن يقدم الدليل المناسب، مع شماتة فى الأكراد السوريين الذين استكانوا للدعم الأمريكى والعمالة له، حسب بعض التعليقات، فكان أن لفظهم «ترامب» بدون رحمة، ووضعهم أمام مواجهة الجيش التركى مباشرة، وبدون أدنى ضمانات، فى الوقت ذاته يتم استبعاد التنسيق مع «قسد» لمواجهة المد التركى، لأنهم عملاء أمريكيون. وثانياً: موقف رسمى يتسم بالترقب والانتظار، ترقب نتائج الانسحاب الأمريكى على الأرض، وانتظار ما الذى سيفعله الآخرون، لا سيما تركيا وجيشها المستعد للاستيلاء على مزيد من الأراضى السورية، ووراءه خطط جاهزة لتتريك ما يقع تحت يديه من مدن وأراضٍ وسكان. وثالثاً: سحب بعض القوات من الجنوب السورى وتوجيهها إلى الشمال الشرقى، ولكن بدون ضجة أو إعلانات صريحة، وغالباً هناك تحركات للقوات الحليفة الإيرانية أو اللبنانية تستعد للتوجه إلى مناطق قريبة من تلك التى تنسحب منها القوات الأمريكية.

والمصادفة الزمنية فقط هى التى تجعل الحكومة السورية تشعر بقدر من انتشاء المنتصرين، رغم وجود ما يقرب من ثلث الأراضى السورية خارجة عن السيادة الفعلية لها، وذلك بسبب التقارب مع بعض عواصم عربية قررت إعادة فتح سفاراتها فى دمشق، ولكن لم يتحدد الموعد بعد، وبصفة خاصة الأردن حيث الاتصالات آخذة فى التطور لتعيد العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه قبل سبع سنوات، حسب تصريحات العاهل الأردنى عبدالله، فضلاً عن تقارير صحفية عربية تحدثت عن جهد تونسى جزائرى مشترك يسعى إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية تفتتحها مشاركة للرئيس الأسد فى القمة العربية المقبلة، وهو ما نفته أمانة الجامعة العربية رسمياً، لكن يظل للموقف التونسى الجزائرى دلالة إيجابية بالنسبة لدمشق تغطى جزئياً على ما يجرى فى الشمال السورى.

روسيا بدورها صاحبة الوجود العسكرى القوى فى سوريا تنظر إلى قرار الانسحاب باعتباره خطوة إيجابية من حيث المبدأ، على الأقل لأنه سيترك الساحة السورية مقسمة بين اثنين من حلفائها، إيران من جانب، وتركيا من جانب آخر. وتتفق موسكو مع ما قاله «ترامب» من أنه تم هزيمة «داعش»، فى حين أن هناك العديد من الجيوب التى يسيطر عليها التنظيم فى الأراضى السورية، كما أن مسلحيه ما زالوا قادرين على توجيه ضربات قاسية لكل من الجيش السورى وقوات «قسد»، التى فقدت 600 عنصر فى مواجهات جرت خلال الأسبوعين الماضيين فقط، وما زالت عناصر التنظيم، التى توصف بالذئاب المنفردة والخلايا النائمة تنتظر إشارة للقيام بهجمات هناك. ومن غير المستبعد أن تجهز نفسها للامتداد فى بعض مناطق الشمال السورى.

القرار الأمريكى وجد تقييمات سلبية من عدد من عواصم البلدان الأساسية فى التحالف الدولى الذى فقد أهميته بقرار الانسحاب المنفرد، وأبرزها بريطانيا وألمانيا وفرنسا. ورغم ما أعلنته واشنطن من أنها سوف تستمر فى ضرب بقايا التنظيم جواً إذا استدعى الأمر ذلك، فإن فاعلية تلك الضربات ستظل مشكوكاً فيها. ومن غير المستبعد أن تنسحب دول أخرى من هذا التحالف ككندا وأستراليا وغيرهما، وبما سينهى تماماً هذا التحالف ويجعله أثراً بعد عين. ولذا تجد فرنسا نفسها فى مأزق حقيقى، والسؤال الذى يتردد على ألسنة المعلقين الفرنسيين: هل يمكن لفرنسا أن تكون بديلاً للقوات الأمريكية، وهل لديها القدرة على الوقوف أمام الجيش التركى إذا قرر «أردوغان» أن يسيطر تماماً على كامل الشمال السورى، وهل لها أن تقدم حماية مناسبة ودعماً معقولاً لقوات سوريا الديمقراطية، وكثير من الأسئلة الشائكة والتى تجد جميعها إجابات تصب فى محدودية القدرة الفرنسية، وربما أقصى ما يمكن أن تقوم به باريس أن تحاول وساطة بين أكراد سوريا وبين أنقرة، وغالباً ستكون وساطة فاشلة حتى قبل أن تبدأ.

فى ظل هذه البيئة التى تشهد تغييرات درامية بين لحظة وأخرى، يبدو الأكراد بمثابة الخاسر الأكبر، وليست لديهم بدائل كبرى سوى الاتصال بوساطة روسية مع الحكومة السورية، وهو ما قد تقبله دمشق، ولكن بشروط قاسية، وإما التحول إلى حرب عصابات مع الجيش التركى وعملائه من مسلحى ما يعرف بالجيش السورى الحر والمنظمات العميلة لأنقرة، وهو ما سيحول الشمال السورى إلى ساحة حرب مفتوحة لا نهاية لها، وسيدفع الأكراد سواء كانوا مسلحين أو مواطنين عاديين ثمناً كبيراً لها. وسيؤدى انشغال «قسد» لتأمين حركتها المستقبلية إلى إفساح مجال أكبر لنشاط عناصر داعش. ومعروف أن لدى «قسد» ما يقرب من 500 عنصر من «داعش» أسرى، ولن يكون مستبعداً أن تفرج عن بعضهم، أو تسمح لهم بالهروب، أو أن تفكر قيادة «داعش الخفية» بعملية عسكرية تستغل فيها حالة الاضطراب واللايقين لدى «قسد» لتحرير قسم من أسراها، وبما يحقق لها نصراً معنوياً وعسكرياً مشهوداً.

تطورات الشمال السورى على هذا النحو تشكل بيئة مناسبة لمزيد من المواجهات العسكرية التى لا سقف لها. هناك العديد من المشاهد المتصوّرة حول مواجهات عسكرية بين كل الأطراف تقريباً، ولكن الشىء المؤكد أن شمال سوريا سيكون كالمائدة التى يتداعى عليها اللئام، كل منهم ينال حصته، حسب قدرته، وحسب حجم تنسيقه مع الولايات المتحدة، والخاسر الأكبر هو وحدة التراب السورى، وغياب السيادة عن ثلث البلاد لأجل غير معروف.

نقلا عن الوطن

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب لا تنتهى فى الشمال السورى حروب لا تنتهى فى الشمال السورى



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen