بقلم : مي عزام
(1)
مع نهاية كل عام وبحكم العادة، نرصد أهم أحداث العام من حيث التأثير الآنى والأثر الممتد. تأتى مظاهرات الشعوب العربية فى الجزائر ولبنان والعراق فى مقدمة هذه الأحداث، دون إغفال السودان الذى بدأ حراكه فى ديسمبر من العام الماضى، وباستمرار الضغط الشعبى نجح السودانيون فى إسقاط حكم البشير وحل حزبه الحاكم.
البعض يجد أن ما حدث فى الدول الأربع هو الموجة الثانية من الحراك الشعبى العربى الذى بدأ فى 2011 فى خمس دول، منها مصر، وسُمى بثورات الربيع العربى.. بعد سنوات من الربيع المنتظر يمكن أن نرصد بواقعية أن التغيير فى أغلب هذه الدول كان للأسوأ، حيث أدت الفوضى وتدخلات إقليمية ودولية إلى تمزق لُحمة الدول القومية، ودخلت هذه البلدان فى دوامة الصراع الأهلى والمذهبى الذى زعزع سيادة الدول على أراضيها وثرواتها الطبيعية.. فى المقابل، زاد وعى الشعوب سياسيًّا وأصبحت أقدر على تحديد أهدافها ومعرفة مصالحها.
(2)
أسباب الحراك الشعبى فى 2011 هى نفسها فى 2019 وما بعدها، وحتى تتغير الأمور على أرض الواقع وتقتنع الأنظمة العربية بأنه حان وقت التغيير الحقيقى.. استخدام الوعود الكاذبة أو القوة المفرطة ليس حلًّا، بعض الأنظمة العربية شاخت وثبت فشلها فى إدارة موارد الدول وتعظيمها لصالح جموع الناس وتحسين أحوالهم وتحديث مجتمعاتهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام القانون وفتح آفاق المستقبل أمام الجميع ومحاربة الفساد الذى تفشى فى أروقة الحكم والدوائر المقربة منه، حكم الأوليجارشيا أصبح غالبًا فى بعض الدول العربية، وهو لا يترك للشعوب فرصة أو قدرة. تغول السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وإطلاق يدها بلا رقيب أو حسيب جعل الشعوب العربية، خاصة الطبقة الوسطى، تتململ من ظروف حياتها حين تقارن نفسها بشعوب الدول المتقدمة والديمقراطية.
(3)
تتفاعل وتتجاوب الشعوب العربية مع بعضها البعض فى حراكها لأن هدفها واحد، وإن اختلف السبب المباشر للحراك الذى دفع الناس للنزول للميادين ورفع شعارات التغيير، فى السودان كانت ثورة الخبز وصعوبات المعيشة هى الشرارة، وفى الجزائر الإعلان عن ترشح بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة، وفى لبنان فرض ضريبة على المشتركين فى تطبيق «واتس آب»، أما العراق فلقد بلغ السيل الزبى كما يقال، تدهور الأحوال واستشراء الفساد بسبب الطبقة السياسية الحاكمة التى أهدرت ثروات البلاد وأصّلت التبعية لقوة إقليمية غير عربية.
(4)
لا أحد يرغب فى الدخول فى دائرة الفوضى وتخريب الممتلكات العامة وقتل المتظاهرين والاعتداء على رجال الأمن، لكن يظل السؤال: من يدفع الشعوب العربية إلى حافة الهاوية واليأس؟.. السؤال موجه لكل الأنظمة العربية بلا استثناء، من الخليج للمحيط، فلن تستقر المنطقة وتتقدم إلا بإرساء قواعد حكم ديمقراطى رشيد يتيح التداول السلمى للسلطة، ويسمح بمشاركة الأغلبية والأقلية فى صنع القرار والمسار من خلال قنوات سياسية مشروعة.
أرسل تعليقك