آخر تحديث GMT 08:03:06
اليمن اليوم-

الغضب العشوائى

اليمن اليوم-

الغضب العشوائى

أمينة خيري
بقلم - أمينة خيري

هذه ليست دعوة لتقليص الغضب أو إلغائه، بل هى دعوة لتصحيح دفته ومساره. صديقتى الجميلة هالة شحاتة أطلقت مسمى عبقرياً يوصّف حالة الغضب المصرى فى السنوات القليلة الماضية، إنه «الغضب العشوائى». هو غضب مفهوم ومبرَّر ومقدَّر، لكنه شديد العشوائية، يخلط الحابل بالنابل، ويركض وهو مغمض العينين مصوباً اتهاماً لهذا وموجهاً سهاماً لذاك. وفى أغلب الأحوال تكون الاتهامات حقيقية، وتكون السهام مبرَّرة، لكن المعضلة تكمن فى التصويب والتوجيه، وكأن أوضاعنا تحتاج المزيد من اللبس والتعقيد، فإن الأشخاص المصوبة لهم هذه الاتهامات والسهام، والذين غالباً لا تربطهم صلة بالتهمة الأصلية، أحياناً يكونون مخطئين أو مقصرين، ولكن فى مناح أخرى وقضايا مختلفة.

اختلف السرد والحكى فى مأساة حادث أطباء وطبيبات المنيا، هذا الحادث المروع والكارثى، لكن اتفقت الغالبية على تحميل وزيرة الصحة الدكتور هالة زايد المسئولية، وتراوحت الاتهامات المتسببة فى وقوع الحادث بين وصف التدريب المقام فى القاهرة بـ«الهيكلى» و«الغرض منه الشو الإعلامى»، واعتبار أن يوماً واحداً لإخبار الأطباء والطبيبات بوجوب السفر لحضور التدريب غير كافٍ للتحضير، واعتبار اضطرار المجموعة المسافرة للسفر مبكراً واللجوء إلى الميكروباص وليس القطار إذعاناً لإصرار الوزارة على حضورهم التدريب سبباً رئيسياً فى وقوع الحادث.

ولا يختلف اثنان على أن ما جرى مأساة مروعة بكل المقاييس. وليس من الإنصاف أن يتم التعامل مع التحضير العشوائى للدورات التدريبية، والإصرار على انتقال الأطباء من الصعيد إلى القاهرة بغضّ النظر عن ظروفهم وأحوالهم مع التعنت فى الإجبار والتهديد بتوقيع الجزاءات على اعتبار أنها وهم وخيال. فجميعنا يعلم علم اليقين أن الكثير من الفعاليات والمؤتمرات وغيرها تقام من أجل سد الخانات وتلميع الواجهات، كما أن جميعنا يعرف حقيقة واضحة وضوح الشمس ألا وهى أن التخطيط طويل المدى خاصمنا قبل عقود، وأن قرارات وحى اللحظة باتت سمة من سماتنا، لكن أن يتم التعامل مع هذا الحادث المرورى البشع باعتباره خطأ وزارة الصحة، فهذا «غضب عشوائى».

هل يمر يوم دون أن تطالعنا الأخبار بحادث مرورى بشع يحصد أرواحاً ويدمر عائلات؟ ومن منا لا يعرف شخصاً على الأقل راح بسبب غياب تطبيق قواعد المرور تماماً فى طرقنا؟ ومن منا لا يعرف أن السير العكسى والسرعات الجنونية والتكاتك والتروسيكلات غير المرخصة والسيارات المرخصة ملاكى والتى تعمل أجرة وأخرى لا تحمل لوحات أرقام من الأصل أصبحت سمة الحالة المرورية فى مصر، وهى السمة التى تتفاقم بمرور الأيام وتتوسع رقعتها وتتوحش أكثر فأكثر بينما نقرأ هذه الكلمات؟ وقبل وقوع هذا الحادث البشع بساعات كنت قد نشرت مقالاً عنوانه «أغيثونا.. الطرق تقتلنا»، كتبت أنه لا يُعقل أن تقتصر مهمة القائمين على أمر الطرق على القيام بدور «الحانوتى»، وأنه لا يُعقل أن يكون الرد على انتقادات ومطالبات تحجيم حال المرور الكارثى الذى يحصد الأرواح دون هوادة هو أن ما يحدث نتيجة «سلوك مواطنين»، وكتبت أن الغاية من القوانين التى تطبق بحسم على الجميع، ودون تفرقة وبصورة مستمرة، هى إجبار المواطنين على الالتزام بالقوانين، أما الاكتفاء بالمناشدة فهذا يعنى أن ابن الأصول المتربى سيلتزم، وغيره سيخرق القواعد. وذكرت أن نسبة كبيرة من المصريين تعتبر القيادة الجنونية والسير العكسى حرية شخصية، وهذا يعود إلى أن أحداً لم يستوقفهم من قبل موقعاً عليهم العقوبة الواردة فى قانون المرور، وهذا يعود أيضاً إلى أن إصدار رخصة قيادة فى مصر لا يعنى بالضرورة أن تعرف تمام المعرفة أصول القيادة وقواعد الطريق، فهذه شكليات. وقبل أيام، انقلبت سيارة ملاكى يقودها شاب فى داخل مدينة الشروق. لحسن الحظ أن الشاب لم يصب بسوء، لكن أن تنقلب سيارة فى داخل مدينة سكنية فهذا يعنى أن هناك شيئاً ما كارثياً. بمناقشة الشاب، اتضح أنه يعتقد أن الطريق إن كان ممهداً وطويلاً وغير مزدحم فهذا يعنى بالضرورة أنه طريق سريع!! وبمزيد من المناقشة تبرّع مواطنون شرفاء بالدلو بدلوهم مشيرين إلى أن «لما الدولة تبقى تطبق قوانين المرور على السير العكسى والسيارات بدون أرقام والتكاتك والتروسيكلات نبقى نلتزم»!! ونعود إلى كارثة طبيبات المنيا. المعلومات الأولية تشير إلى أن السائق نام أثناء القيادة، ففقد السيطرة وارتطم بسيارة نقل وانقلبت السيارة. سيناريو بائس متكرر تكراراً أكثر بؤساً، حيث لم يعد يلفت انتباه أحد. وبعيداً عن مسائل القضاء والقدر، والعمر المكتوب إلخ، هل حوادث الطرق المتواترة فى مصر كلها تحدث بسبب تعسف مسئول فى الوزارة لحضور تدريب، أو إصرار على انتقال موظفين من مدينة إلى أخرى، أو سوء تخطيط فعاليات الندوات والمؤتمرات؟ أم تحدث لأن حالنا المرورى تعدى مرحلة الكارثى بكثير؟

هذه ليست محاولة لتبرئة ساحة وزير وتوجيه اتهام لآخر. هذه محاولة لتسليط الضوء على الغضب العشوائى، حتى يحصل الجميع على نصيبه العادل والمستحق من الغضب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغضب العشوائى الغضب العشوائى



GMT 11:27 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

انتقد ترمب ثم سر على خطاه!

GMT 11:22 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

نظام كورونا العالمي الجديد

GMT 11:20 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

وداعاً محمود رضا طاقة البهجة الراقصة

GMT 11:19 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

يريد أن يكون متواضعاً

GMT 11:17 2020 السبت ,18 تموز / يوليو

٣ ملامح فى ليبيا!
اليمن اليوم-
اليمن اليوم-

إطلالة لافتة وجريئة لنسرين طافش في مهرجان كان السينمائي

القاهرة - اليمن اليوم

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش تفوز بولاية رابعة

GMT 01:35 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

محمد بن زايد يطلق حزمة اقتصادية بـ 50 بليون درهم

GMT 03:07 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

منة فضالي تؤكد أن العمل مع الفنانة بوسي ممتع ويغمره البهجة

GMT 01:45 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

غير الناطقين بالإنكليزية يتفوقون في برنامج التقييم الوطني

GMT 22:50 2018 السبت ,20 تشرين الأول / أكتوبر

مدير باريس للأساتذة يحث فيدرر على المشاركة في البطولة

GMT 21:49 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

أوملت البطاطا

GMT 21:58 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

غضب نسائي يطارد أحمد فهمي بسبب خيانة نيللي كريم

GMT 00:46 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

علي ربيع يكشف عن فيلم جديد يجمعه بنجم "مسرح مصر"

GMT 07:20 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"الفراولة" أحدث موضة في قصات الشعر لعام 2018

GMT 03:20 2016 الأربعاء ,14 كانون الأول / ديسمبر

توست مقلي بالبيض

GMT 21:00 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

8 جامعات إماراتية ضمن أفضل 40 جامعة عربية
 
alyementoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

alyementoday alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday alyementoday alyementoday
alyementoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
alyemen, Alyemen, Alyemen