بقلم - خالد منتصر
شاهدت الفيلم الكورى «طفيلى» الحائز على أوسكار أفضل فيلم، كوميديا سوداء عن أنياب الرأسمالية حين تخترق لحم وأحشاء الفقراء وتشوه المجتمع بكل أطيافه لا تستثنى أحداً حتى الأثرياء، يبدأ الفيلم بقبو أو بالأصح مسكن كالقبو لا يرى الشارع إلا من خلال نافذة علوية تطل دائماً على السكارى وهم يتبولون، وينتهى بقبو فى قصر اختبأ فيه من قبل فقير هارب من الديون، ويختبئ فيه الآن فقير آخر هارب من ملاحقة الشرطة على جريمة قتل قد اقترفها، الفقر يورث التحايل على الحياة، العائلة الفقيرة لديها ذكاء فطرى يجعلها تتآلف مع تلك الحياة القاسية الضنينة البخيلة، كما تتآلف الحرباء مع أوراق الشجر ورمال الصحراء، سقف أحلامهم سرقة إشارة الواى فاى من الجيران، تبدأ خيوط السلسلة الجهنمية بالابن الذى يرشحه صديق لتعليم ابنة عائلة ثرية اللغة الإنجليزية، وتبدأ حلقات الخداع بتفاصيل ذكية لتوظيف كل العائلة، الأخت مُدرسة رسم للطفل الصغير، الأب سائق لرب العائلة، الأم مديرة المنزل، ذكاء الفقر الفطرى ينتصر على سذاجة أصحاب الحظوة من الأثرياء، العائلتان يضمهما عالم واحد، لكن الأولى لا ترى الشمس والثانية حديقتها بلا سقف يغمرها ضوء الشمس، الأولى تغرقها الأمطار الممتزجة بالصرف الصحى، والثانية تغسل الأمطار أشجار حديقتها وسقف قصرها، العائلة الفقيرة تستطيع أن تتخلص من كل مظاهر فقرها أمام العائلة الثرية، تتخلص من الملابس الرثة واللغة الخشنة، لكنها لم تستطع أن تتخلص من رائحة الفقر المزمنة التى لا تخطئها أنوف المليارديرات، يأتى الانقلاب حين يطمع الفقراء فى اختلاس لحظات نشوة فى القصر أثناء إجازة العائلة الغنية، لينكشف الستار عن قبو فى هذا القصر الذى صممه مهندس معمارى عبقرى ليسكن فيه قبل أن يبيعه، هذا القبو يختبئ فيه ضحية فقيرة أخرى وهو زوج مديرة المنزل السابقة، يتعرى الفقراء أمام بعضهم البعض ويحدث صراع شرس للاستحواذ على هذا الفتات الذى يسمح لهم بمجرد العيشة، وتأتى النهاية فى حفل القصر الذى كانت خاتمته مجزرة بشرية لا تستطيع وأنت تتابع إيقاعها الدموى إلا أن ترتعش من مصير هذا العالم إذا استمرت فيه تلك الفجوات المرعبة بين الأغنياء والفقراء، بين المنعمين والمعدمين، كانت مشاهد غرق القبو الذى تسكنه العائلة الفقيرة من أكثر المشاهد تعبيراً عن هذا الضياع الإنسانى فى مجتمع رأسمالى لا يرحم، هؤلاء الفقراء الذين يعتبرهم المجتمع طفيليات تمتص دمه النقى الأزرق وتلوث ياقته البيضاء، تساءل الابن وهو يطل على مشهد الحفل الفخم فى القصر المنيف: هل أنا أنتمى إلى هذا العالم؟، حلمه كان أن يستلقى على خضرة الحديقة ويستقبل الضوء بلا حواجز، انتهى الحلم بالدم وبالسكين، لكن رائحة الفقر لم تنته بعد، لم يتخلص من رائحة القبو التى تثبتها الرطوبة اللزجة بصمغ الحاجة والعوز.
الفيلم صرخة مكتوبة على شريط سينما بلغة عذبة وبسيطة وصورة مستفزة صادمة، فيلم ينتصر للإنسانية ويحذر: أنقذوا الإنسان قبل أن يتوحش.
أرسل تعليقك