بقلم - أسامة الرنتيسي
مهما يكن حجم الخلاف مع السياسة القطرية في القضايا العربية عموما، وفي مد يدها الطويلة في المعدة الفلسطينية وإدامة الانقسام من خلال الدعم الذي تقدمه لحكومة وسلطة حماس في غزة، واحتضان قيادة حماس في الدوحة، إلا أن السلوك الذي تعرض له السفير القطري محمد العمادي في غزة وطرده بالأحذية من قبل عمال النظافة في مستشفى الشفاء الطبي وسط مدينة غزة عقب الانتهاء من مؤتمر صحافي له، للحديث عن المنحة القطرية للمستشفيات وتنصله من حقوق عمال النظافة، ليس مقبولا، ولا بطولة، بل سلوك معيب.
العمال الغاضبون من العمادي، وبعد أن رموه بالأحذية، مزقوا علم قطر، وصور الشيخ تميم ونزعوا شعارات المساعدات القطرية، وقد برروا فعلتهم بأن المساعدات القطرية غير حقيقية، وتهدف إلى تعزيز الانقسام الفلسطيني.
بين الفينة والأخرى، تقع حوادث قذف الأحذية على الزعماء والمسؤولين، وتتناقل وسائل الإعلام، هذه الأخبار والصور باهتمام شديد، وذلك منذ، اخترع الصحافي العراقي منتظر الزيدي، هذا السلوك الاحتجاجي في وجه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.
نتذكر؛ محليا، عندما قام مواطن في جرش بالاحتجاج على عدم منحه فرصة الحديث قبالة رئيس الحكومة السابق الدكتور عبدالله، فقذف حذاءه باتجاه المنصة الرسمية، وكانت قبلها بأيام المرشحة الأمريكية هيلاري كلينتون تتلقى حذاء آخر من سيدة أمريكية.
لا أدري ما هي البطولة والشجاعة التي يقوم بهما كل من يفكر بهذا السلوك، وهل يتوّهم أنه يفعل شيئًا لا يستطيع أقرانه مجاراته فيه؟.
الاحتجاج فِعْل وفكرة حضارية بامتياز، وهو مطلوب عندما يشعر المرء ان ظلمًا وقع عليه، وفيه من الوسائل الحديثة والقديمة ما لا يُحصى ويُعد، لكن لا يوجد في الثقافات جميعها، ان الحذاء إحدى وسائل الاحتجاج.
كان بإمكان الصحافي، منتظر الزيدي على وجه التحديد، ان يستغل الفرصة التي جمعته مع الرئيس الذي يحتل بلاده، وتمارس قواته أبشع أنواع الاحتلال، ان يوجه سؤالا قاسيًا يضع الرئيس الأمريكي في موقف حرج من خلال الكشف عن ممارسات قواته في العراق، ويستفيد من النقل المتلفز للعالم، لكنه خسر كل هذا، كما خسرت مؤسسته الإعلامية التي لولاها لما تمكن من دخول مقر الرئيس الأمريكي، فرصة طرح سؤال باسمه واسمها، وهي على كل حال لم ترسله لقذف الحذاء بل للقيام بدوره كصحافي ومندوب لها.
إذا كان سلوك قذف الحذاء مَعيبا، وهو كذلك، فالمَعيب أكثر ما يحدث بعد ذلك، إذ تتناقل وسائل الإعلام “الحدث البطولي”، وتبحث للحصول على صور خاصة بها، لكن ما يقع بحجم الفاجعة عندما يتبارى سياسيون مراهقون، ونشطاء في العمل العام في زمن الغفلة، وأصحاب أموال جاءت بأفعال قبيحة، لعرض شراء الحذاء كنوع من التذكار لهذا الفعل المَعيب بكل أوجهه، حيث دُفعت ملايين الدولارات الوهمية لشراء حذاء الزيدي، وتبين في آخر الأمر أن كل ما أعلن عنه كان فقاعات هواء.
الدايم الله…
أرسل تعليقك