بقلم : جهاد الخازن
أساء البريطانيون الاختيار عندما قرروا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، إلا أن ترؤس تيريزا ماي الحكومة البريطانية خلفاً لديفيد كامرون قد يصحح كثيراً من خطأ الانسحاب، وهي وعدت بأن تكون رئيسة وزراء لجميع البريطانيين ودعت إلى الوحدة والمساواة، وإلى نجاح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
أجد تيريزا ماي صادقة خبيرة معتدلة في سياستها، على رغم أن حزب المحافظين كله يمثل يمين السياسة البريطانية. هي في كل الأحوال أفضل من كامرون كثيراً، وقد دفع ثمن أخطائه، فلا أزيد عنه لأننا تعلمنا في بلادنا «الضرب في الميت حرام».
ماي أصبحت رئيسة حزب المحافظين بعد تأييد غالبية من أعضاء حزبها، وكان انسحاب أندريا ليدسوم لمصلحتها تسليماً بالنتيجة أو استسلاماً لها، فقد حققت ماي في كل تصويت مجموعاً يفوق بقية المنافسين مجتمعين، من دون أن يمنع هذا «الأشقر» بوريس جونسون من أن يظل يدعم ليدسوم لرئاسة الوزارة على رغم أرقام التصويت.
جونسون هو وزير الخارجية في حكومة ماي، ومعه فيليب هاموند وزيراً للمالية، وأمبر رَد وزيرة للداخلية. جونسون شخصية خلافية من نوع «الأشقر» الآخر دونالد ترامب على الجانب الغربي للمحيط الأطلسي. إلا أن اختياره وزيراً كان إذعاناً من ماي لرغبة غالبية بريطانية في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فقد كان جونسون قائد الحملة مع مايكل غوف.
الانسحاب ليس نزهة، فالاقتصاد البريطاني سيتضرر، والجنيه خسر كثيراً من قيمته ثم استرد بعضها عندما رفض بنك إنكلترا خفض الفائدة. أتمنى أن أكون مخطئاً، إلا أنني لا أرى فائدة فورية أو على المدى المتوسط للانسحاب، وإنما أرى جدراناً ترتفع في وجه الصادرات البريطانية التي كان أكثر من نصفها يذهب إلى دول أوروبا. مع ذلك، ربما استطاعت ماي وفريقها الحكومي إيجاد حلول للمشاكل، أو تسويات مع الاتحاد تمنع انهيار العلاقة، ففي بريطانيا أكثر من مليوني عامل من دول الاتحاد، وهناك حوالى 1.5 مليون بريطاني بالمقابل في دول الاتحاد.
أرجح أن يكون هناك حل وسط يمنع إيذاء مصلحة أي من الطرفين، ثم أنتظر أن أرى إن كان لرئيسة الوزراء موقف جديد من الهجرة، فهي كانت تعارضها ولها مواقف معلنة، إلا أنها قد تعدلها وهي في 10 داوننغ ستريت، فقد كانت دائماً امرأة عملية.
على رغم ما سبق لا أجد معارضة سياسية تمنع ماي من تنفيذ ما نعرف عنها أو ما وعدت به، خصوصاً تعهدها بحكومة لجميع البريطانيين، وليس للأثرياء فقط. هي ميسورة، إلا أنها من دون أولاد وتعاني من السكري لذلك يُفترَض أن تتفاعل مع مشاكل الآخرين.
أرجو ألا يحرجها بوريس جونسون في وزارة الخارجية، فقد كان عدوانياً في سياسته داخل بلاده، وهذا لا يفيد في التعامل مع الدول الأخرى، فلعله ينجح في التعامل مع الولايات المتحدة، الحليفة الأولى والأهم لبلاده، وأيضاً ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وغيرها. يهمني شخصياً موقفه من القضايا العربية، والقضية الفلسطينية تحديداً. وفي حين أن غموضاً، ممزوجاً باليمينية، يغلف سياسته، إلا أن ليست له مواقف سلبية.
في كل الأحوال حزب المحافظين ليس كل بريطانيا، فهناك حزب العمال وأحزاب أخرى صغيرة، وبعد التصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي قامت معارضة معلنة لرئيس حزب العمال جيريمي كوربن، وطالب نيل كينوك، وهو من رموز الحزب، باستقالته. لا بد أن يكون هناك تغيير عمالي مقبل، إلا أنني أجد أن كوربن لا يزال يتمتع بولاء غالبية من حزبه.
أختتم بملاحظة أن تيريزا ماي نافستها امرأة على رئاسة الوزارة هي أندريا ليدسوم وهي الآن وزيرة البيئة في الحكومة الجديدة، وأن الوزيرة الأولى في أسكتلندا هي نيكولا ستيرجن، وهناك المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، وهيلاري كلينتون مرجحة للفوز بالرئاسة الأميركية. لا يمكن أن يكون حكم النساء أسوأ من حكم مَنْ رأينا من الرجال.
أرسل تعليقك